أبو سيف راعي كيف، وحتى لا تظن الظن الآثم، كيفه ليس كيف محمود عبدالعزيز في فيلم الكيف، بل كيف ابن هذال عندما قال: "سوولي الكيف وارهو لي من الدله.. البن الأشقر يداوي الراس فنجاله.. كيف لنا نحرقـه بالنار وانزله.. واليا انقطع لو ورى صنعاء عنيناله"، والكيف عنده خط أحمر، يهتم بأدق تفاصيله، حمسته، طحنته، تبهيرته، حتى مقدار صبته! محدد لا يتجاوز ثلاث رشفات في الفنجال، على ألا تتجاوز فناجيله الثلاثة فهي مرتبة، مقننة "للراس والعماس والنوماس"، ومجرد نية التساهل في جزء بسيط من هذه الخطوط الحمراء "عيب وشق جيب" و قد تصل للمقاطعة، شدني شدة تمسكه بهذه التفاصيل الدقيقة لقهوته وطريقة احتسائها، فسألته عن أصل ذلك، امتعض من السؤال وبافتخار رد: "عاداتنا وتقاليدنا"، لم تكن الإجابة مقنعة، وأظن أنه هو بنفسه غير مقتنع، لكنه الفكر الذي يحمله ويحاول فرضه على غيره، لتستمر أجيال أبو سيف بحمل هذا المعتقد والعتب أو الغضب ممن تساهل فيه أو قلل من شأنه، أما من يرفضه فذاك "ما هو برجال"!
ترى لو فكر أبو سيف تفكيرًا ناقدًا في تقصي الدقة لهذ المعتقد، أو تفكيرًا منطقيًا في البحث عن الأسباب والعلل أو تفكيرًا توفيقًا في قبول الرأي المغاير بدلًا من التفكير التسلطي الذي رسخ في ذهنه هذا الفكر، وجعله ساخطًا على كل من تساهل فيه أو خالفه، و يجتهد لغرسها في أبنائه و أحفاده، ويستحيل على مثله أن يفكرًا ابداعيًا لطرق جديدة لعمل واحتساء القهوة العربية
ميز الله الإنسان بالعقل، و حثه في كتابه على التدبر والتأمل والتشاور وإعمال العقل فيما يصح، ومن المؤكد أننا جميعًا نطبق أنماط وأساليب ومهارات التفكير بدون أن نشعر، ولكن عندما ندعم ذلك بالاطلاع لا شك أننا سنعززها لنصحح بعض مفاهيمنا ومعلوماتنا ونفلتر كثيرًا مما نسمع أو نقرأ أو نشاهد
في زمن العولمة وثورة برامج التواصل، أصبح من السهل الوصول لعقول أبنائنا والثأثير عليهم، لذلك يجب أن نُنمي مهارات التفكير لديهم ونعودهم على الحوار والنقاش و التحليل؛ حتى لا يكونوا أدواتًا و دُمى تحت تأثير أفكار غير دقيقة أو غير صحيحة، أو سيطرة أشخاص يتحكمون بهم و يُسيرونهم وفق أهوائهم ورغباتهم ليتحولون إلى مسوخ تنفذ دون أن تفكر، مع ضرورة توضيح الأمور التي لا تقبل النقاش ولايُعمل فيها العقل كالغيبيات الثابته والعادات والتقاليد الصحيحة التي لا تخالف الدين أو تقدح في المروءة.