منذ كنت طالبًا وكان يسكن معي زميل (Roommate)، لاحظت ظاهرة تتكرر أمام عيني، وكنت أظنها فطرية وطبيعية؛ فقد كنت أرى زميلي عند استيقاظه من النوم يتخلص فورًا من طاقته السلبية عبر اختلاق النقد وتوجيهه إليّ، مهما حرصت على تجنب أي خطأ. وكانت كلمات التجريح تحزنني كثيرًا، لكني تسلحت بالصبر وتحملت جزءًا من المسؤولية.
شاء الله أن أنتقل إلى مرحلة أخرى وأسكن مع زميل آخر يملك طاقة إيجابية. كان أول ما يفعله عند استيقاظه هو إلقاء تحية الصباح الجميلة والدعوات الصادقة، وكأنه يعلم احتياجاتي. تعمدت اختباره أكثر من مرة، فلم يصدر منه إلا المزيد من الكلمات الطيبة والدعوات العظيمة.
بعد سنوات، تولّد لدي الفضول لمعرفة مصيرهما في هذه الحياة. فاكتشفت أن زميلي صاحب الطاقة السلبية حُرم من النجاح، ورافقه الفشل في وظيفته وحياته الأسرية، بينما حملت الطاقة الإيجابية زميلي الآخر إلى سلم النجاح في أسرته ووظيفته، حتى أصبح نجمًا متألقًا ومحبوبًا.
بفضل الله، يمكن للإنسان تنمية الطاقة الإيجابية وتعزيزها، كما يمكنه كبح الطاقة السلبية والسيطرة عليها من خلال تطبيق عدد من الاستراتيجيات، أبرزها:
1- الامتناع عن إطلاق الكلمات السلبية، وإدراك أثرها المدمر، والتحلي بالصبر حتى يصبح التعود على الكلام الإيجابي خلقًا دائمًا.
2- إدراك أضرار الكلمات السلبية، فهي مفتاح الفشل وأكبر طارد للنجاح بجميع أشكاله.
3- ضبط النفس من خلال التفكير في التبعات، واللجوء إلى العلاج السلوكي عند الحاجة.
4- تحليل الحديث الشخصي عبر تسجيل عشوائي للمحادثات مع الآخرين، ثم تقييمها وإحصاء المفردات السلبية للتخلص منها تدريجيًا.
5- تنمية جودة الحياة من خلال السفر، والقراءة، ومخالطة الإيجابيين، وتعلم فن الحديث والإتيكيت وعلوم النشامى.
6- تصريف الطاقات السلبية نحو الشيطان، برميه بالحجارة ولعنه، فهو من يستحق مخرجات هذه الطاقة.
7- تنمية الثروة اللفظية الإيجابية بحفظ القرآن والسنة الصحيحة وقصائد المدح والوصف.
8- تشجيع الآخرين على إيقاف التصرفات السلبية، وتنبيه الشخص السلبي وردعه عند الغلط.
9- الصيام عن الكلام لفترة، والتحلي بالصمت، وتطبيق قاعدة "قل خيرًا أو اصمت".
10- نصح الناس بما جاء في القرآن والسنة، فذلك يعزز الوعي الذاتي ويرضي الله سبحانه وتعالى:
قال الله تعالى: "لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا" [النساء ١١٤].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".
وقال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا" [الأحزاب: ٧٠].