تتفاوت طباع الناس وتختلف مشاربهم، وتتباين وجهات نظرهم وطريقة حسابهم لعواقب الأمور ونتائج تصرفاتهم. فمنهم من يحسب الأمور جيدًا، ويتصرف بحكمة، ويضع الأمور في نصابها، فيصل إلى نتائج ملموسة وعواقب سليمة. ومنهم من يتيه في سبل الحياة، فلا تؤدي به معرفته وقدراته إلى بر الأمان. ولا شك أن جلَّ مشاكل الحياة هي نتاج ذلك.
فمثلًا، بذل المعروف أو الجميل أو الإحسان قد يقدمه الإنسان، لكن قد ينتج عنه مشاكل وخلافات سواء للباذل أو المبذول له. وقد سمعتُ أحد الأشخاص يتحسس من شخص آخر أسدى له معروفًا، فلم يثمنه الأخير، بل أنكره، ودبَّ بينهما خلاف على أثر ذلك. وهذا مثال على بعض السلوكيات التي تنشأ من سوء تقدير الأمور أو من بعض معادن الأشخاص، مع أن حفظ الجميل وردَّ الصنائع من مكارم الأخلاق التي بُعث النبي صلى الله عليه وسلم لإتمامها.
وهذا أبو الطيب المتنبي يقول:
إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ
وإن أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمرّدَا
وكان التصرف الأسلم أن يقدّر المبذول له المعروف موقف الباذل، وأن يحفظ له الجميل، ويردّ معروفه، أو على الأقل يعترف به. ولكن معرفته ومعدنه أنتجا مثل هذا السلوك، بينما كان على الأول أن يحتسب الثواب، ويضع أمام ناظريه حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم:
"صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السُّوءِ، والصدقةُ تُطفئ غضبَ الرَّبِّ، وصلةُ الرَّحمِ تزيدُ في العمرِ."
ولكن لئام الناس حتى المعروف والطيب ينقلب عندهم إلى سوء وخلاف، ولذلك يقول سفيان الثوري رحمه الله:
"نظرنا إلى أصل كل عداوة في العالم فوجدناها اصطناع المعروف إلى اللئام."
نسأل الله لنا ولكم العافية، ونسأل الله أن نكون وإياكم من أهل مكارم الأخلاق.