مرت أيام ولا زلنا ننتظر العم "موسى" يصدح بصوته العذب الذي وصل مدى بعيد داخل قلوبنا ومسامعنا ولم يغب عنا على مدى أكثر من أربعة عقود، اخترق ذلك الصوت القلوب واحتل جزء من حياتنا نسمع صوته في اليوم خمس مرات، لم يتخرج ذلك الرجل من جامعة أو مدرسة، بل تخرج معتمدًا على الله عز وجل ثم تلاوته للقرآن، فقد كان عصاميًا منذ الصغر ولا يعتمد على أحد، كان طوال الوقت يقرأ القرآن الكريم ولا يفارق الجامع حتى ظن الكثير بأن الجامع هو بيته الذي يعيش فيه، ابتعد عنه هذه الأيام بسبب حالته الصحية، فسأل عن صوته الصغير والكبير والحجر والشجر، وقد أدرك الجميع كم كان جميلًا ذلك الصوت الذي يصدح من منارة جامعنا كل يوم لا يكل ولا يمل، فمع كل صلاة تعود بنا الذاكرة للوراء فقد فقدنا ذلك الصوت الشجي، فنبحث عنه بين منارات الجوامع فلم نجد صوتًا يشبه ذلك الصوت؛ فلو كان بيدنا لأزلنا عنك الوجع كي تعود للمحراب الذي مازال ينتظرك بلهفة وحب، ولسجادتك التي أسمع نبرات صوتها في كل صلاة تسأل عن جليسها فاحترت بما أجيبها.
فلا نفس أسعد من رجل نذر نفسه لخدمة بيت الله، ولم تمنعه إعاقته من ذلك، فكان كفيف البصر قوي البصيرة، وكان أول من يدخل الجامع وآخر من يخرج منه، فالحمد لله على سلامتك، ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ويردك ردًا جميلًا، فالمرض يحمل في طياته تكفيرًا للذنوب ورفعًا للدرجات، وبإذن الله سيعود لنا ذلك الصوت وينتهي الألم الذي نتجرعه بغيابه، وسيعود كذلك للطريق الذي يوصله للجامع كل يوم والذي أظنه يراقب أطياف الحنين كل ليلة بحثًا عن صاحب العقيدة الطيبة والرجل الصالح العم موسى بن محمد الكثيري مؤذن جامع قرية البخرة في محافظة العرضيات.