تتجه مفاهيم الاستدامة إلى الاستثمار الأمثل للموارد لتلبية احتياجات الجيل الحالي دون المخاطرة بموارد واحتياجات الأجيال التالية.
إذن نقول إن كل ممارسة تضمن سير الحياة للأجيال الحالية والقادمة بالشكل الأمثل فهي استدامة.
بهذا المنطق أُسس ديننا الحنيف فهو ليس مفهوماً وليد اللحظة فعندما أوحى الله عز وجل جبريل عليه السلام لنبيه صلى الله عليه وسلم بكلمة اقرأ لتكون أعظم ممارسة استدامة تفتح للأجيال العلوم والمعارف حاضرها ومستقبلها؛ وتتوالى صور الاستدامة بمجالاتها في القرآن الكريم وفي سنة المصطفى عليه والسلام وكذلك في الممارسات التي توليها حكومتنا الرشيدة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه إلى عاصرنا المزهر وفق الرؤية الطموحة 2030 بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان حفظهم الله ورعاهم.
فعندما نذكر الاستدامة الاقتصادية والحوكمة فلدينا أطول آية في كتاب الله تتحدث عن أحد المعاملات المالية ألا وهي آية الدَين، وارتباط الدَين بالتوثيق والكتابة يوضح لنا ممارسة جلية للاستدامة والمعاصرون الماليون اليوم يقولون إن أصل المحاسبة هو التوثيق، كما شُرع القرآن دليلاً ونظاماً به لوائح وأنظمة وسياسات ومنهجيات ربانية مستدامة؛ وفي السيرة المطهرة بها أكثر من 63 حديثاً يتعلق بالأحكام المالية والاقتصادية بتطبيقها نحقق الاستدامة للأجيال؛ ومن أحد مرتكزات رؤية 2030 اقتصاد مزهر وتضمنت عدة مشاريع ومبادرات تساهم على سبيل المثال برنامج الخصخصة لتعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات، وتحسين جودتها ورفع كفاءة تشغيل الأصول بشكل عام، وتقليل تكاليفها على الحكومة، مما يساهم في تركيز الجهود الحكومية على الدور التشريعي والتنظيمي وتشجيع الابتكار لدى القطاع الخاص بما يتوافق مع أهداف رؤية السعودية 2030 في تحقيق التنوع الاقتصادي وتعزيز القدرة التنافسية للمملكة.
ثم عندما نتطرق عن مجال الاستدامة الاجتماعية فحثنا ربنا تبارك وتعالى على كل ما يحقق لنا استمرارية الحياة {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً} وقال جل وعلا {ولا تقلوا بأيديكم إلى التهلكة} دعوة صريحة إلى المحافظة على النفس وصحتها؛ وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة) نبراس للأجيال بالاهتمام بالتعليم الجيد؛ نرى ونشاهد اهتمام حكومتنا الرشيدة أيدها الله في رؤيتها الطموحة 2030 بالصحة والتعليم والنمو الاقتصادي وتوفير فرص وظيفية وعقد التحالفات والشراكات وغيرها من الممارسات التي تعتبر معززة للمجتمع الحيوي المستدام.
وأما ما يتعلق بالاستدامة البيئية ففي القرآن الكريم ورد ذكر البحر قرابة 40 موضعاً لنتذكر نعم الله عز وجل ونقدرها ونستفيد منها ونحافظ عليها {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ البَحْرَ لِتَجْرِيَ الفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}؛ وفي أروع الأمثلة للحث على استمرارية الحياة بالبيئة المستدامة فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه دابة أو طير أو إنسان إلا كان له صدقة)؛ تسعى المملكة جاهدة نحو مستقبل يضمن الحياد الصفري للكربون بحلول عام 2060، ومع الالتزام بالطاقة النظيفة والاستدامة تتجه المملكة بخطوات واثقة نحو مواجهة تحديات الطاقة وتغيرات المناخ، من خلال حلول مبتكرة تشمل الاقتصاد الدائري للكربون، وتنويع مصادر الطاقة، حيث تطمح لأن تمثل الطاقة المتجددة 50% من استخداماتها بحلول عام 2030.
صياغة رؤيتنا الطموحة 2030 بقيادة عرابها سمو سيدي ولي العهد وكذلك مواءمة أهدافها مع أهداف التنمية المستدامة تُعزز لدينا أن الاستدامة أسلوب حياة.
_________________
*ماجستير إدارة المنظمات غير الربحية