لست أدري أين قرأت عن حكاية تقول: إن أحد الشبان كان يعمل في خدمة سادن لقبر أحد الأولياء الصالحين.. وإن هذا الشاب تعلم كثيراً على يد هذا الشيخ السادن للضريح، وإنه ذات عام أراد الحج لاستكمال دينه، فاستأذن سيده وشيخه، فشجعه، وأعانه، وعندما أراد أن يودع شيخه أعطاه الشيخ كلباً ًكان قد رباه، ودربه، وأحبه كثيراً.. وقال: اصطحب معك هذا الكلب، فهو كلب أمين وسوف يؤنسك وينفعك في طريقك، سوف يصطاد لك، وسيطرد عنك الهوام، والسباع، وينبح على قطاع الطرق.. ودّع الشاب شيخه وانطلق في رفقة الكلب العزيز.. الذي كان وفياً في صحبته، فكان يركض أمام الشاب يميناً، وشمالاً، ويستشرف الطرق، والأماكن، ويحرسه حين ينام.. ولكن الكلب بكل أسف لدغته حيّة جبارة عندما كان يحفر جحر أرنب فمات..!! فحزن الشاب حزناً عظيماً لموت رفيقه وفجيعته فيه… ووفاء له حفر له قبراً لكي لا تأكله السباع، والنسور، وحينما أخذ يهيل التراب على قبر كلبه العزيز أقبلت قافلة حجاج.. ووقفوا عليه وأخذوا يسألونه عن القبر..؟ فخجل أن يقول إنه قبر كلب..! وقال إن هذا القبر هو لرجل من أولياء الله الصالحين كنت في خدمته إلى الحج فلدغته حيّة فمات.. فنزل الركب وأقاموا صلاة الميت على القبر، وأعطوا الشاب ماء وغذاء، ثم تركوه، وبعد فترة أقبلت قافلة أخرى، فقال لهم ما قاله للذين قبلهم، فنزلوا وجمعوا الحجارة لصفها على القبر، وأعطوه غذاء ومالاً ً.. ورحلوا ثم أقبلت أخرى، وقد رأوه يصف الحجارة ويبني، فساعدوه، وبذلوا له وهكذا.. ثم إنه بعد فترة اكتمل البناء، ثم شيد على الضريح قبة ثم مسجداً..! ورويداً رويداً أخذت القوافل تتوالى على ضريح الرجل الصالح، فبدؤوا يتوسلون به، ويطوفون حوله، ويطلبون منه العون، والمساعدة.. وقد كبّر الشاب لحيته، وأطال مسبحته، ولبس الجبّة والعمّة.. ثم أصبح الضريح مشهوراً، ومقصداً للدراويش وطالبي الحاجات، وممن ينشدون البركات.. وكثر المال وكثرت الذبائح، وكثر القمح، والشعير.. وقد سمع الشيخ صاحب الضريح الأول الأنباء عن ضريح هذا الولي الصالح الذي صرف الأنظار، والناس عن ضريحه.. فقال لا بد أن أزوره، وأراه ، وأعرف خبره،.. وفعلاً ركب راحلته واتجه نحوه، وحينما وصل هناك، هاله منظر الناس من الطائفين، والعاكفين على القبر.. ثم أراد أن يتعرف على سادنه.. وحينما قابله، وجلس إليه، وتفحصه، أدهشته المفاجأة، وأخذه الانبهار، وضرب صدره بكفه وهو يقول: أنت..؟ قال نعم تلميذك يا سيدي..!! فقال: قل لي ما هذا وما الأمر..؟ فلم يجد التلميذ بداً من أن يحكي له القصة كاملة.. فتأمله طويلاً ثم قام إليه وضمّه إلى صدره وهو يقول كم أنت ذكي ونجيب..! كم أنت ملهم وفطن..! وبما أنك قد بلغت من الحكمة هذا الحد فسوف أفشي لك بسر..!! قال وما هو يا سيدي؟! قال: فاعلم أن كلبك هذا الذي أقمت عليه الضريح، إنما هو ابن كلبي الذي بنيت أنا عليه الضريح وأصبحت سادناً له..! فانحنى الشاب في خضوع وقبّل يده.. وقال: تلميذك يا شيخي المفضال…!! نعم أيها السادة هكذا هي الحكاية التي سمعت عنها، وأقول: ما أكثر الأضرحة الفكرية والثقافية، والسياسية والتي يدور حولها كثير من الناس..!!
" الرياض "