كثيراً ما نسمع بعبارة "أشياء لا تشترى بالمال"، وتختلف استخداماتها باختلاف المواضع التي تقال فيها، ومن المؤكد أن هذه العبارة من أصدق العبارات وأكثرها تعبيراً عن الأشياء لا تقدر بثمن، فهناك أشياء في الحياة عموماً وفي حياة كل شخص منّا لا نستطيع أن نمتلكها ولا يستطيع أي شخص آخر أن يتملكها بإرادته؛ لأنها فطرية وجدت مع الانسان منذ نشأته، أو طبيعية نشأنا ونحن نعرفها ونتعايش معها، مثل خصوصية الأماكن أو الأهمية التاريخية وغيرها من الأمثلة.
فعلى مستوى الأشخاص نجد الكاريزما والقبول والتأثير والهيبة من أبرز الصفات المميزة لمن يمتلكها، فليس كل إنسان يمتلك هذه الصفات، ولا يستطيع أي إنسان أن يتصف بها أو يتظاهر بها إذا لم تكن فطرية وموهبة من الله عز وجل، وعندما ترتبط تلك الصفات بالمكانة الاجتماعية فإن صاحبها يكون ذا شأن كبير ومكانة عالية، بعكس ما إذا كانت غير متوفرة عند من يمتلك المكانة الاجتماعية؛ فإن ردة الفعل الأولى لدى الناس، هي استغرابهم من ذلك الشخص، وكيف أصبح في تلك المكانة.
ولن أفصل في ذكر الشخصيات الشهيرة على مستوى العالم التي تقلدت مناصب مهمة في دولها على الأقل، لأن الجميع ربما يعرف أو يتذكر ما روي عن بعض القدماء الذين تولوا مناصب مهمة ولم يكونوا بتلك المواصفات، بل إن البعض منهم وصل لرئاسة دول كبيرة وهو لا يمتلك الهيبة والكاريزما والقبول من الناس، لكنه يستطيع أن يعوض عن ذلك بقراراته وعلاقته مع شعبه، أو مع الدول الأخرى من خلال المبادرات والعمل المميز، حتى أصبح الكثير ممن نتحدث عنهم في هذا المقال أساطير تاريخية ورموزاً عالمية؛ بسبب العمل الذي قاموا به.
فيستطيع رئيس شركة عملاقة على سبيل المثال أن يكسب ولاء مئات الآلاف من الموظفين الذين يعملون تحت إدارته، وأن يؤثر فيهم بدون أن يقابلوه أو على الأقل يعرفوا شكله، وذلك من خلال القرارات الإيجابية والعمل المؤثر الذي يصل صداه لأبعد أعضاء المنظومة بطريقة سهلة، وقد قيل في المثل: "فاقد المال لا يعطيه"، وكذلك فاقد الهيبة والتأثير والمكانة والقبول، فكل من فقد مثل تلك المواصفات أو الأشياء المهمة لا يستطيع أن يمنحها لغيره، أو يتصف بها، ولكن لو أردنا نلوي عنق الحقيقة ونفكر بطريقة مختلفة، فنستطيع أن نقول بأن فاقد المال يستطيع أن يعطيه لغيره؛ عندما يكون دالاً على الخير، أو وسيطاً في توفيره لمن يحتاجه، ومن يفتقد للمواصفات المذكورة آنفاً يستطيع أن يعوضها بمواصفات أخرى لا تقل أهمية عمّا ذكرناه، ولعلي هنا أدلل على رأيي بوجود الكثير من الأشخاص الذين منحهم الله المكانة الاجتماعية والملاءة المالية والنسب العريق والشهادة العلمية وغيرها، ولكنهم يسقطون في مواضع كثيرة عندما يفتقدون للقيم والمبادئ، ويتفوق عليهم آخرين لا يمتلكون جزءاً يسيراً مما يمتلكه أصحاب الوجاهة والمال والشهادات؛ عندما يحسنون التصرف ويتعاملون مع الناس بالأخلاق الطيبة والنية الصادقة.