يقول الشاعر:
احفظ لسانك أن يزل فتبتلى *** إن البلاء موكلٌ بالمنطق
بهذا البيت الجميل والمعبر استهل مقالي اليوم عن موضوع في غاية الأهمية، وعن قاعدة إيمانية ربما تتجاوز في أهميتها بعض القواعد التي تعلمناها وحفظناها عن ظهر قلب، وقبل أن ندلف لصلب الموضوع أود الإشارة إلى الجملة الواردة في عجز البيت الشعري، والتي اخترتها عنواناً لهذا المقال، حيث تروي المصادر أنها من أقوال الإمام مالك رحمه الله.
ويفرق أهل العلم بين مصطلحي البلاء والابتلاء، فيقولون أن المقصود بالبلاء هو عموم المحن التي تصيب الإنسان في نفسه أو جسده، ولا يفرقون في ذلك بين المسلم والكافر، أمّا الابتلاء فهو المصائب التي تنزل بالمؤمن لاختبار إيمانه.
ولا أبالغ عندما أقول أن معظم أمور حياتنا تعتمد بشكل كبير على ما ننطق به، ويتفق هذا الرأي مع مسألة التشاؤم والتفاؤل وكيفية تأثيرها على حياة الإنسان، وما ورد من أحاديث وقصص تحذر من التشاؤم وترغب في التفاؤل وحسن الظن بالله، ومن ذلك قصة عبيد بن شريه الجرهمي عندما سأله معاوية بن أبي سفيان عن أعجب ما رأي في حياته، فذكر أنه في أحد البلدان التي زارها، وجد جنازة تدفن والناس مجتمعون حولها، فرق قلبه لحال الميت وتذكر أبياتاً شعرية كان قد سمعها منذ زمن فأخذ يرددها، وتقول الأبيات الشعرية:
يا قلب إنك من أسماء مغرور *** فاذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير
واستقدر الله خيراً وأرضين به *** فبينما العسر إذ دارت مياسير
وبينما المرء في الأحياء مغتبط *** إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه *** وذو قرابته في الحي مسرور
فقال له أحد الحاضرين: أتعرف من قائل هذه الأبيات؟ فقال: لا
فقيل له أن قائل هذه الأبيات هو الرجل الميت.
وتدل هذه القصة وهذه الأبيات الشعرية المعبرة على أن البلاء موكلٌ بالمنطق، حيث صور ذلك الرجل المتوفى كيف سيكون حاله عند الموت، وكيف سيتخلى عن أقاربه، وأن غريباً سيبكي عليه، وقد وقع ما تصوره الميت، وهذا يدل دلالة مباشرة على ارتباط البلاء بالمنطق، والأمثلة كثيرة في هذا الجانب.
وينبغي لنا ونحن نتحدث عن هذا الموضوع المهم؛ أن نعود أنفسنا على القول الحسن والتفاؤل بالمستقبل، وأن نربي أبناءنا ونعلمهم أهمية هذه القاعدة، فمن المؤسف حقاً أن يتعلم الإنسان في صغره أموراً لا تقارن أهميتها بأهمية هذه القاعدة، ومن المؤسف أيضاً ألا تجد من يوعي غيره بخطورة التهاون في سيء المنطق، وخصوصاً ما يتعلق بأحواله وأفعاله، لذلك دعونا أيها الإخوة نعاهد أنفسنا على عدم التهاون في ما يخرج من ألسنتنا، ونعي تماماً تأثير ذلك في حياتنا، ونبين لغيرنا أهمية المنطق، وانعكاس أقوالنا على حياتنا سواءً كانت أقوالاً حسنةً أو سيئة.