ما بين حينٍ وآخر، يطالعنا مشهدٌ متحرِّكٌ على مسرح الأحداث، يضجُّ بالعنف، ويتوقف عند نهايةٍ حتميةٍ تراجيدية، ضحيةٌ هنا، والأخرى هناك، ومصيبةٌ تباغت أُسرةً كانت تعيش في كنَفِ الهدوء والسكينة، وتردِّدُ -وهي تمضي في طرق الحياة- تراتيل السلام، لا تحسِبُ لفاجعةٍ حسابًا، ولا تخشى صروف الليالي والأيام.
ينتهي السيناريو الذي كتبته يد التقصير -ولا أعترض هنا على قضاءٍ أو قدر- وقد أثار زوبعةً من الشجب والاستنكار بين جمهور المشاهدين، غير أن تلك الزوبعة سرعان ما تنكسر حدتها، وتتلاشى شيئًا فشيئًا، حتى يحرِّكها مشهدٌ آخر، وتتوالى المشاهد، وتتعالى صيحات الجمهور الغاضب الشاجب، وقِلَّةٌ هم الذين يهبُّون للتفتيش خلف الكواليس عمَّن يقف وراء تكرار تلك المشاهد!
ربما تكون الأسرة، وربما لا تكون، ربما تكون مؤسسة التعليم، وربما لا تكون، ربما تكون البيئة، وربما تكون صحة الفرد النفسية، وربما تكون نوافذ ومنصات الدمار التي يظهر من خلالها المغرضون، لكنَّ الذي لا يخامِرُ فيه شك أن كلَّ ما تقدم له دوره، وله فصله الذي قام بكتابته في ذلك السيناريو.
ليست القضية قضية طالب لم يبلغ الرشد وجد نفسه قاتلاً؛ لأنه دخل في صراع، وليست القضية قضية مارقٍ في الشارع لم يحاول تجاوز النزاع، إنما القضية قضية منظومةٍ متكاملة تجاوزها الفرد، أو هو يتجاوزها، دون أن يعرف ما له وما عليه من حقوقٍ وواجبات، فالأسرة -وفي خضم مشاغلها- اكتفت بالإنجاب، وأغلقت دون التنشئة السليمة الباب، وفي مؤسسات التعليم اكتفى المسؤولون باللهث وراء إنهاء المقررات، والرد على المخاطبات، وتوثيق ما يتم من إنجازات، ولم يعد للتربية والتوجيه أدنى مجال في خضم تلك المعمعة؛ بحجة أن مسمى الوزارة خلا من التربية؛ فأصبح الاقتصار على التعليم قضية مُزْمَعَة، وأمام التقصير هنا والقصور هناك، وجد الضحايا أنفسهم وجهًا لوجه أمام بيئةٍ غير سويَّة، ونوافذ أو منصاتٍ مقروءةٍ أو مسموعةٍ أو مرئية، فيستقون منها مبادئهم، وأخلاقهم، وردود أفعالهم على ما يتعرضون له من مواقف، فأين الغرابة بعد كل ذلك في أن يتعثَّر المتعثرون، ويتضرر المتضررون؟!
لقد بلغنا من رؤية تلك المشاهد حد الاكتفاء، وآن أن نملي كتابة ما نود مشاهدته، من خلال أطرافٍ تتحمل الأمانة، وأقلامٍ تحمل المسؤولية، بعيدًا عن أيدي العبث الخفية؛ فالجيل القادم عقلًا، ونفسًا، وجسدًا، أمانة نتحملها جميعًا.