"ربوا أبناءكم لزمان غير زمانكم".. قيل إنها أثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولكن بعد البحث والتحري لم يوجد أصل لنسبتها لعلي كرم الله وجهه، وذكر بعضأهل العلم أن هذة المقولة لا تعرف عنه، ولا عن أحد من الصحابة أو غيرهم من السلف الصالح إنما هي من قول المعلم سقراط، ولفظه: "لا تجبروا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"، وقيل: هي من قول الفيلسوف أفلاطون.
وعمومًا ما يهمنا هنا هو العبارة نفسها وليس من قالها، فـ(الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها) كما قال معلم البشرية
الأول وسيدها صلى الله عليه وسلم.
ولو تمعنا في زماننا هذا لرأينا اختلافًا شاسعًا بين ما تربينا عليه نحن ومن قبلنا وما يتربى عليه أبناء هذا الجيل ومن بعدهم في المفاهيم والتقنيات و الاحتياجات والقناعات، وستظهر هذه الفجوة بجلاء في أي حوار بسيط قد تتبادله مع أصغر أبنائك، ستصاب بدهشة من المصطلحات التي تسمعها لاول مرة بحياتك بل ستتفاجأ بإجابات لم تكن تتوقعها وقوة حجة وثقة عن بينة.
وهنا فقط ستدرك أن هذا الجيل يعيش في زمان غير زمانك وأن الأسلوب التربوي الذي استخدمه آباؤنا معنا قد لا يسعفك اليوم أمام هذه المتغيرات فقد نجح الآباء وقبلهم الأجداد في استخدام كلمة (عيب) وحصروا تحتها جميع المحظورات الاجتماعية، وأي سلوك قد يجعل الابن أو البنت تحت سياط الانتقاد أو النبذ، ولكن مع الغزو الثقافي الهائل الذي تتعرض له مجتمعاتنا انهارت كثير من قلاع المحافظة والعيب، وأصبح الأبناء يرون أن كثيرًا من المحظورات في مجتمعاتنا مقبولة بل قد تكون محمودة في مجتمعات أخرى بسبب عولمة الثقافات العابرة.
وخلاصة القول عليك تقبل هذا الاختلاف والتباين بين جيلين، ولا تحاول فرض ما تراه، فضلًا عن أن تفرض ما يراه المجتمع ككل!
ففكريا هو يملك فكر مطلع أكثر وخيارات ومهارات أوسع وقد جُمع له العالم بقاراته ولغاته وشعوبه و ثقافاته وعلومه وفنونه بين يديه في جهاز صغير بمقاس كف اليد.
فابدأ مباشرة وبلا تردد تغيير الآليات والأسلوب التربوي من أسلوب (العيب) والعادات والتقاليد وكلام الناس إلى أسلوب الحوار واإاقناع وتحت عنوان أشمل وأكبر وأكثر مصداقية وهو الحلال والحرام، فيجب أن يعرف الصغير أن هذا الشيء حلال وذلك الشيء حرام والمسلم لا يجب ان يتعدى قيود الحلال والحرام وأنها خط أحمر، وهذا هو الدرع الحقيقي لحمايتهم فكريًا.
وعليه فلا تعمل بالدفع باتجاه أن يكون نسخة منك فهو لن يكون، بسبب الاختلاف الجوهري بينكما، وحتى فسيولوجيًا فالاختلاف موجود بين الأب وابنه وبين الأم وابنتها، فكل مولود لا يكتسب من والده إلا 50% فقط من جيناته ولن يزيد عليها، والـ50% الأخرى تكون مكتسبة من جينات الأم، فأبناؤنا وبناتنا لن يكونوا نسخة طبق الأصل منا مهما فعلنا وهذا مثبت علميًا فهم خليط من جينات مختلفة وأفكار مختلفة وتجارب مختلفة.
ومن زاوية أخرى، يجدر بنا تشجيعهم على استخدام التقنية الإلكترونية والمفروضة عليهم في زمانهم والتي أصبح لا غنى عنها ودورنا هنا يكمن في مساعدتهم على استخدامها بشكل إيجابي وتحت أعيننا حماية لهم من سلبيات ودهاليز هذه التقنية، خيرًا من أن يجدوا انفسهم يومًا تائهين وسط هذا الفضاء التقني المشرع على مصراعيه والذي لا تحكمه قيود ولا وازع أو رادع.