في دراسة لعالم الاجتماع الدكتور ديفيد ماكليلاند من جامعة هارفارد يقول إن ٩٥٪ من نجاحك أو فشلك قد يأتي من الدائرة الخاصة بك أو ما يسميه "المجموعة المرجعية" (reference group)، وهذه الدراسة استمرت قرابة الخمسة والعشرين سنة؛ استنتج منها ماكليلاند أن أكثر من ٩٢٪ من نجاح الأشخاص في الحياة وسعادتهم يتحدد عبر دائرتهم المرجعية!
واستنتج أيضًا أن ٨٤٪ من سعادة الشخص تعود لعلاقاته وصداقاته! ففي كثير من منعطفات الحياة المهنية والاجتماعية نواجه الكثير من المصاعب والاخفاقات؛ وهنا يأتي دور المجموعة المرجعية في دعمك ومساندتك في تجاوز اللحظات الفاصلة والصعبة في حياتك، وهنا تجدر الإشارة إلى أن ليس كل من نعرفهم يعتبرون ضمن مجموعتنا المرجعية، بل يجب اختيار صفوة الصفوة وليكن لدينا قرار في ذلك.
فلا تُرهق نفسك في البحث عمن يحبك؛ كن جيدًا وحسب، فمن يحبك سيحكي لك، وإن لم يكن كذلك سيهتم بك.
يرهق الكثير من الناس أنفسهم في السير في دروب لا تشبههم، ولا تتناسب مع أرواحهم الراقية ولا توافق أبسط اهتماماتهم في محاولة إرضاء الآخرين، وهذا أكثر ما يتعب الإنسان، لديك حياة واحدة وعمر واحد لا تحرقه في إرضاء أحد، فمن يريدك وتتناغم روحه مع روحك؛ سيكون بالقرب مُتقبلًا وعارفًا بعيوبك قبل مزاياك!
يُحكى أن شابًا مقتدرًا ذو وجاهة ومال وحسب خطب فتاة فلم توافق وقالت: "ما لي وله! إنه خشن العيش أنا أريدُ رجلًا حنونًا يَصُبُّ عليّ من الحب صَبًا"
لم يغريها إلا الجمال الروحي، فكان ردّها نهائيًا صارمًا في غلق باب قد لا يُغلق إلا بإغلاق القبر، وقد يكون قبرها النفسي وهي على الأرض..
إن من حقوق النفس ألا تدخل دائرتك الصغيرة إلا من يساعدك ويعاونك ويحقق البهجة وهذا لا يعني عدم التفاعل مع الناس ولكنه دعوة صريحة بأن البعض حقهم السلام والمعاملة بالحسنى، وعدم التعمق معهم.
فالطاقة السلبية مُعدية وترسم السواد في لوحة حياتك بدون أن تنتبه لذلك، وأن كثير من العادات والأخلاق تصيب وتُعدي من الأقران، ولها عظيم الأثر على المستويين القريب والبعيد.
يقول ابن حزم رحمه الله: "فإن الهمومَ إذا ترادفت في القلب ضاقَ بها، فإن لم يَفِضْ منها شيءٌ باللسان، ولم يُسترَح إلى الشكوى لم يَلبَث أن يهلك غمًّا ويموت أَسَفا"، وقد قيل:
"لا بد مِن شكوى لِذي مروءةٍ
يواسيك أو يُسليك أو يتوجع"
وقيل: «تعرف أنّك مع الشخص الصحيح إذا تمكّنت من إظهار ضعفك له دون أن يستخدمه لتأكيد قوّته وحكمته».
فهل وصلتَ لهذا الصاحب؟ فاختر دائمًا ما يليقُ بك، و يوازي روحك، من حلم وأشخاص و حتى كلمات.
يقول أحد المفكرين: عرفتُ أنني كنتُ في غير دائرتي المناسبة عندما توقفت عن التفكير وحب الحياة والتجدد، وعندما دخلت في دائرة مفرغة من الانتقاد والتذمر!
ويُقال في استغلال العمر في الخير ومجاورة الخيرين، وأثر المجموعة المرجعية على الإنسان:
لَعَمرُكَ ما الأَيامُ إِلّا مُعارَةٌ
فَما اِسطَعتَ مِن مَعروفِها فَتَزَوَّدِ
عَنِ المَرءِ لا تَسأَل وَسَل عَن قَرينَهُ
فَكُلُّ قَرينٍ بِالمُقارِنِ يَقتَدي!
ومن الشعر الشعبي يُقال:
رافق رفيقن لا تضايقت يشفيك
ولاتنفع الرفقة على غير فزعات
رافق أصيلن في زمانك يداريك
لاشاف زلّاتك عن الناس غطاك!
جعل الله في حياتكم كل ناصح صادق أمين.