إن أردت - سيدي الفاضل - أن تعيش بعقلٍ عاطلٍ فهذا شأنك، لكن لا تلقِ باللوم على الآخرين فيما يجرُّه عليك ذلك العَطَلُ من عواقب؛ لأنهم غير موكلين بالتفكير عوضًا عنك، وليسوا ملزمين بالبحث لك عن خياراتٍ وبدائل، أنت وحدك من يدرك قدراتك، ويعي مهاراتك، وأنت وحدك أيضًا من يمكنه أن يُعْمِلَ العقل قليلًا في التنقيب عما يمكن أن تُسْتثمرَ فيه تلك القدرات والمهارات.
يقول الدكتور إبراهيم الفقي -رحمه الله-: "في علم الميتافيزيا نؤكد دائما على أن العقل مثل المغناطيس؛ عندما يرى صاحبَه يحقق أهدافه (ولو بالتخيُّل) سيجذب له الأشخاص والمواقف والآليات التي تساعده على تحقيق هذا الهدف"، هنا توقف قليلًا وأنت تطالع هذه المقولة، تأملها ببصر، وتفكَّر فيها بعقل، وغُص في مضامينها ببصيرة؛ لأن قائلها لم يكن يومًا بالمنظِّر الذي يتحدث من فراغ، بل هو العَلَمُ البارز في مجال التنمية البشرية والبرمجة العصبية، والذي غيَّرت كتبه ومقالاته ومحاضراته حياة الكثيرين.
العقل المعطَّل الذي يعيش حالةً من الركود لن يصل بصاحبه إلى نتيجة، إن رغبت في الحصول على النتيجة لابد وأن تُبْحِرَ بعقلك في محيطات التفكير، وتجدِّف بمجاديف التأمُّل، حينها سترسو - بلا شك - على شطآن النجاح؛ فبين حِزَم الأفكار التي ينطوي عليها عقلك، لابد وأن هناك قشَّةً من شأنها أن تشعل الموقد الذي تنضج عليه مهاراتك وقدراتك. وإياك أن تتوهَّم أن التوفيق سيأتي مع أول محاولة، أو أن تحقيق الهدف سيحصل من خلال جلسةٍ واحدةٍ ومداولة؛ لو نظرت حولك ستجد من لم يؤطر شهادة تخرِّجه ويعلِّقها على حائطه ليتأملها كلَّما مرَّ من أمامها، ولم يجلس متباهيًا بها حينما لم تسنح له فرصة العمل، إنما انطلق يفتش في دفتر مواهبه عما يتقنه ويبدع في عمله، فبدأ رحلة الكفاح، ملتزمًا ديدن الإلحاح، حتى أوصله تفكيره المستمر إلى النجاح.
الحياة - يا صديقي - ليست متَّكأً للراحة، أو ملجأً للدَّعة؛ ولذلك يقول الكاتب والفيلسوف الأمريكي هنري ديفيد ثورو: "إن خطوةً واحدةً لن تعبِّدَ طريقًا على الأرض، كما أن فكرةً واحدةً لن تغيِّر شيئًا في العقل، تتابع الخطوات هو الذي سيعبِّد الطريق، كما أن الكثير من التفكير هو ما سيصنع المستحيل الذي سيغير حياتنا".
ختامًا، اجعل لنفسك - عزيزي - مساحةً للتفكير، ومجالًا للتحوُّل والتغيير، ولا تنتظر مساعدة أحد؛ فالأرزاق بيد الله وحده، والرزق موكَلٌ بالسعي. مع خالص دعواتي لك بالتوفيق.