في يوم من الأيام، عشية يوم جمعة، ذهبت بصحبة أحد زملائي إلى "مُوقِف السيارات" نبحث عن رحلة برية وجهتها مكة المكرمة؛ لأننا حينها كنا ندرس في جامعة أم القرى.
وبينما كنا نتجاذب أطراف الحديث، فإذا بسيارة تتجه نحونا ظننا أن صاحبها عرفنا فأراد أن نرافقه في السفر؛ لنسليه ويسلينا في الطريق، ومنها وفرنا أجرة توصيلنا إلى مكة، لكن يا فرحة ما تمت؛ لم تأتِ الأمور كما نريد، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
اقترب منا صاحب السيارة، ثم قال: مكة؟ قلنا نعم. كم تأخذ منا؟ قال: ٨٠ ريالًا أي ٤٠ ريالًا للفرد، قلنا ما عندنا سوى ٦٠ ريالًا، قال: تم.
وضعنا الحقائب في "صندوق الونيت" وركبنا في المقعد الخلفي؛ لأن المقعد الأمامي فيه عفش وأعراض لصاحب السيارة، وفي أثناء السير تبادلنا أطراف الحديث والقصص والفكاهات؛ كي نهون على أنفسنا مشقة طول الطريق، ونجنب السائق النعاس، ونشد من أزره.
حدثنا صاحبنا أنه أجرى بعض الفحوصات، وطلب منا قراءة بطاقة مطبوعة على ظهر مظروف، مكتوب فيها اسمه ولقبه وجهة عمله، ثم أعدنا له المظروف، ولم يعلق بالذاكرة سوى لقبه وجهة عمله.
وعندما وصلنا إلى مدينة مكة الساعة الحادية عشر قبيل منتصف الليل؛ وكون طريقه باتجاه الطائف ارتأينا ألا يغير مساره وطلبنا منه أن ينزلنا عند إشارة المرور في مشعر منى؛ علنا نجد أحدًل يقوم بتوصيلنا لمقر سكننا، وبمجرد نزولنا واتجاهنا لصندوق السيارة الخلفي؛ كي نأخذ حقائبنا، فتحت الإشارة فجأة، فانطلق مسرعًا ولم يعقِّب وحقائبنا ومذكراتنا وواجباتنا معه حيث إن الأمر مرتبط بتسليم تكليفات في اليوم التالي، مما زاد الموقف سوءًا وذهولًا لايمكن وصفهما.
بعد دقائق من هذا الموقف المحرج، استعدنا قوانا ووجههنا تفكيرنا فاستأجرنا سيارة أوصلتنا مقر السكن؛ لنستعير سيارة أحد الزملاء وننطلق نحو الطائف على مضض، فمن نقطة النهاية تبدأ معاناة إضافية تمزج نصبًا بنصب وألمًا بألم، مشينا ولم تكن لدينا معلومات كافية تؤكد نجاح قرارنا سوى الاسم وجهة العمل، ومع معاناة الإرهاق السابق للرحلة، والمتاعب، امتطينا طريق السيل ذاهبين لأغلى المصايف إنها الطائف أرض الورد الزكي والهواء العليل. وصلنا -والحمد لله-، وأخذنا نبحث عن جهة عمل صاحبها موظف الطوارئ حتى وصلنا بوابة عمله المؤدية لمواقف سيارات الموظفين، ومن ثم زودنا الحارس بالمعلومات المتوفرة لدينا حول اللقب ونوع السيارة، ومن حسن الطالع أن صاحبنا كان هو آخر واحد دخل المواقف، فأرشدنا إليه الحارس فقابلناه وأخبرناه الخبر، واستلمنا منه الحقائب لنعود في طريقنا مرة من حيث أتينا؛ لنصل مع قول المؤذن "الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم" لنصلي ومن ثم نستعد للدوام.
وفي تمام الساعة الثامنة صباحًا كنا أول الحاضرين في قاعة المحاضرات؛ لنحضر الدرس ونسلم التكليفات والمهام المطلوبة.
فحذارِ ثم حذارِ أن تقول أيها المسافر للسائق نزلني عند إشارة المرور، فقد يكلفك قرارك هذا أضعاف أضعاف ما دفعته في رحلتك كلها.