في علاقاتنا بالمحيطين بنا تكمن السعادة أو التعاسة، وذاك بحسب ما ننتهجه في تلك العلاقات من سياسة، ولا شك أن الكثير من علاقاتنا يشوبه الخلل، وهو في أمس الحاجة إلى المراجعة والتعديل على عَجَل.
- ابنٌ قسى منه القلب، فقطع زيارة الأم والأب، نسيَ ما كان منهما زمن الصِّغر، وتخلَّى عنهما وهما أحوج ما يكون في حال الكِبَر. بعد أن وضعا كل الأحمال، وساءت بهما الحال، جاء يتحجج بكثرة الأعمال، وأمور الزوجة والعيال. فأي خاتمة يرجوها، وأي مآل؟!
- أخٌ يجفو أخاه، ويرفض كل سبيلٍ للصلح ويأباه، ربما لأن الصغار وقعوا في شجار، وتراجموا بالأحجار. أوليس سببًا تافهًا للقطيعة، وإقامة الحواجز المنيعة؟!
- زوجةٌ ما بين ذهابٍ وإياب، حضورها عدمٌ، ورؤيتها كالسراب، عن الزوج والأولاد مشغولة، وكأنها ليست عن البيت مسؤولة، في الأسواق بالغداة تسرح، ومع الصديقات في المساء تمرح، عزمها من حديد، لا يضمحلُّ ولا يبيد.
- وزوجٌ لا يرى الزوجة إلا للفراش، ولا مجال للنقاش، غارقٌ في علاقات الغرام، يكابد الحُبَّ الكاذب والهيام، وليس من شأنه الحلال والحرام، على وجهه في كل مكانٍ هائم، حتى إذا احتاجه البيت لم تُعرف له أرضٌ؛ كأنه السحاب العائم. أوَبعد كلِّ الذي مر، يُبحثُ في أمر زواجٍ ما استقر؟!
- رئيسٌ متودِّدٌ لمن علاه منصبًا؛ لأنَّ له هدفًا ومأرِبا، كاذبٌ منافق، ومحابٍ حاذق، في المجاملات باعه طويل، ولا بأس إن عاش كالذليل، أما مع المرؤوس فبئست المعاملة؛ قسوةٌ ونقدٌ وتجريح، ولا مجال للمجاملة. أوَيُرجى من وراء مثله نجاحٌ للعمل، أو غياب تضجُّرٍ وشكوى من الملل؟!
- مكفولٌ وكفيل، المعاملة بحاجة إلى تعديل؛ نهرٌ وزجرٌ وتعنيف، وتكليفٌ بالأعمال دون تخفيف، وإن حان موعد الراتب لا بأس بتأخيره لكثرة المطالب، وبالتأكيد هو سيستحي ولن يطالب، فأين قوله ﷺ :«... إخوانُكم خَوَلُكُم، جَعَلَهُم اللهُ تحت أيديِكم، فمن كان أخوه تحت يده، فلْيُطْعِمه مما يأكلُ، ولْيَلْبِسُه مما يَلْبَسُ، ولا تكلُفُوهم ما يَغْلِبُهم، فإنْ كَلَفْتُمُوهم فَأَعِيْنُوهُم»؟!
إلى هنا ولن أستطرد؛ لأن الخلل أكبر بكثيرٍ مما سأورد، لكنني أقول: لا عزاء لكل من أساء، ومن أوقد نار الإساءة بيديه لا بد وأن يلفح لهيبها كلا خديه.