جاب القنفدة "المحافظة" وما حولها قبل العهد السعودي الميمون وفي أثنائه رحَّالة كثر عرب وعجم مستشرقون وسعوديون وآخرون لم يروها ويقفوا على أحوالها، ولأهداف مختلفة سجَّلوا انطباعاتهم عن مدنها وقراها وقبائلها وشيوخها وطبيعتها والصراعات التي حدثت فيها أو سمعوا عنها، فمنهم من وفق في تدوينه، ومنهم من لم يوفق، فجاءت في مؤلفاتهم ومدوناتهم أخطاء كثيرة، وأصبحت تلك المؤلفات مع الأسف مراجع تاريخية وجغرافية واجتماعية للقنفدة وما حولها بالأخطاء التي فيها، ويستقي منها "قراء اليوم" غير المختصين بعض المعلومات، ويعتقدون صحتها فيشيعوا بعضها في وسائل التواصل الاجتماعي وربما كان ذلك بحسن نية!
وكان الأولى بهم التثبت من المصادر الموثوقة فهذا ديدن العارفين بأصول الكتابة التوثيقية.
ولكي لا نرمي الكلام على عواهنه كما يقال، فليعُد القارئ الكريم إلى ما يتوفر لديه أو في المكتبات أو عبر الشبكة العنكبوتية أو لما يعرفه كبار السن عن بعض الأخبار التي اطلعوا عليها ليتأكد مما قيل وكُتب وأشرنا إليه تلميحًا لا تصريحًا، فالمجال لا يتسع لذكر كل ما لاحظناه فيما وقع بين أيدينا.
ولإعطاء بعض الأمثلة من المصادر والمراجع التي حفلت بما أشرنا إليه، هاكم أسماء بعض المؤلفات الشائع ذكرها:
- المسالك والممالك لابن حوقل
- تاريخ المستبصر لابن المجاور
- الرحلة اليمانية لشرف البركاتي
- عسير قبل الحرب العالمية الأولى تقرير استخبارتي للسير كورنواليس. مترجم للعربية ترجمة غير دقيقة.
- البدو لأوبنهايم مترجم للعربية.
- المرتفعات الغربية لجون فلبي مترجم للعربية.
- معجم قبائل المملكة العربية السعودية لحمد الجاسر
- قلب جزيرة العرب لفؤاد حمزة.
- جغرافية شبه جزيرة العرب لعمر رضا كحالة.
- بين مكة واليمن رحلات ومشاهدات للبلاد.
- بلاد القنفدة خلال خمسة قرون للدكتور غيثان الشهري.
وأختم هذه المقالة بالإشارة إلى ما يشبه الطرفة وردت في المرجع الأخير (ص29 ) ومؤلفه صديق وتربطني به علاقة طيبة فاجتهد وكتب عن اسم "حلي بن يعقوب" معللًا أن "حلي" اسم لرجل ووالده يعقوب الكناني!
وصواب ذلك تاريخيًا أن رياسة وادي حلي والسيادة عليه كانت لبني حرام وشيخهم المتنفذ منذ القرن الرابع الهجري وهو الشيخ موسى بن يعقوب الكناني الذي خلع عليه السلطان الرسولي في اليمن لقب "أمير"، ثم في عقبه فاشتهر حلي لاحقًا وعُرف في المصادر والمراجع بـ"حلي ابن يعقوب" نسبة لآل يعقوب.
وإن كان حلي الوادي معروفًا قبل ذلك منذ عهد ولاية محمد بن عبدالله بن زياد على اليمن الذي ولَّاه الخليفة العباسي عبدالله المأمون، فامتدت سلطة ابن زياد "203 - 243 هـ" من زبيد في اليمن حتى حدِّها الشمالي إلى حلي في تهامة الحجاز وكان حلي حينذاك بدون هذه النسبة لآل يعقوب.
فهل يا ترى وجُد من يصدق مثل قول المؤلف أن حلي اسم رجل؟! وماذا لو سألنا: هل خميس ابن مشيط اسم رجل؟ وأبيه ابن مشيط" أم هو سوق في الأصل سمي بيوم من أيام الأسبوع، ونسب السوق للشهراني بن مشيط أحد شيوخ شهران الجنوب، ثم أصبح الآن المدينة التجارية المعروفة اليوم في منطقة عسير؟
ومثل ذلك من أسواق : "خميس حرب" و"أحدبني زيد" و"ثلوث بلعير" و"ثلوث بني عيسى" في مراكز القنفدة.
ومن يصدق أيضًا الحكاية الهلامية التي نسبت اسم القنفدة لإمرأة عجوز اسمها القنفدة! وتورط في ترويجها بعض من كتب في تاريخ القنفدة من أبنائها خصوصًا! أو من قال إن قنونى كانت قرية وتغير اسمها للقنفدة!
لذلك قد نلتمس عذرًا للأعجمي الرّحالة الذي لا يمكث كثيرًا في المكان الذي يؤرخ له ليستقصي صحة ما يدون وقد تكون اللغة عائقًا وكذلك الأمية! ولكن ما عُذر الرّحالة والمؤرخ ابنا الوطن وقد تيسر لهما ما لم يتيسر لغيرهما؟!