منذ تسلمه أمانة الحكم، وترتيب أولويات البيت الداخلي، واجه خادم الحرمين الشريفين ومساعدوه الأوفياء، تحديات خطيرة، هدفت إلى خلخلة استقرار المملكة ونسيجها الاجتماعي. لكن هذه القيادة أدركت حجم المؤامرة، ولم تكتفِ بالمراقبة، بل لجأت إلى إجراءات استباقية؛ لدرء الخطر المتربص من وراء الحدود.
وفي خضم عالم آخذ في التشكل، يبدو أن قيادة المملكة قد قرأت المشهد بفهم وإدراك عميقين، فأخذت تعيد حساباتها بناءً على المعطيات الجديدة، وفي الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة تحديداً.
وضمن دورها الريادي في المنطقة، اتخذت القيادة موقفاً صلباً مع الحليف الأمريكي، بعد اختلاف وجهات النظر حول كثير من القضايا الإقليمية، ومنها التهديد الإيراني والانقلاب الحوثي والحرب في سوريا والقضية الفلسطينية. وكان واضحاً أن هذه القيادة مصممة على التمسك بسيادة اتخاذ القرار من دون التفريط بالتحالفات القديمة، مع التأكيد بأنها ستسير وحدها لو اضطرت إلى ذلك.
ومن خلال الاعتماد على قاعدة شعبية صلبة، نشطت هذه القيادة للعمل على مختلف الجبهات والساحات، فقادت التحالف العربي لاستعادة الشرعية المختطفة في اليمن وأنشأت حلفاً إسلامياً رديفاً، واستعرضت قوتها العسكرية، ليس رغبةً في الحرب، وإنما لإرسال رسالة واضحة لكل من يتربص شراً بأمنها وأمن منطقة الخليج العربي، وفتحت حوارات مع روسيا وفرنسا والدول الأوروبية الأخرى؛ للتدليل على أنها تملك بدائل كثيرة لإعادة تشكيل التحالفات على أسس احترام السيادة الوطنية وتبادل المصالح.
لقد أدركت هذه القيادة أنها أمام مسؤولية تاريخية لقيادة الأمة التي تتعرض لمؤامرة تستهدف وجودها، وتنذر بعودة الاستعمار إليها، وتهدد أقدس المقدسات الإسلامية، فاستجابت لنداء الواجب وتحملت هذه المسؤولية ورفضت كل محاولات الابتزاز والتشكيك.
مما لا شك فيه أن هذه القيادة تعي أن هذا العالم يقوم على المصالح وأن التحالفات لا تدوم. كما أنها تقرأ التاريخ جيداً وتعلمت من اللدغات الكثيرة من القريب والبعيد، كما تعرف أن هذا العالم لا يحترم الضعفاء والمتخاذلين.
ضمن هذا المنظور وضمن تنويع سلة التحالفات تحركت خلايا إدارة الأزمات بعقل إبداعي غير مسبوق، لذلك نرى سيّد القوم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وولي ولي العهد الأمينين يصلون الليل مع النهار للتواصل مع قادة العالم؛ لتوضيح المواقف وجهاً لوجه، وعقد الاتفاقيات، وكسب المزيد من الأصدقاء.
لقد كانت جولة خادم الحرمين الشريفين في دول جنوب شرق آسيا وما تمخضت عنه من اتفاقيات وتفاهمات، والحفاوة التي استقبل بها من شعوب هذه الدول ومثقفيها وقادتها، ومنهم إمبراطور اليابان، شاهداً على احترام العالم لهذه القيادة التاريخية ودورها في نهضة الأمة وإعادة كتابة تاريخها وبناء مجدها.
كما كانت زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة محطة فارقة في إعادة بناء العلاقة مع الولايات المتحدة على أسس جديدة من المساواة والاحترام المتبادل.
لقائد هذه الأمة ننحني إجلالاً وإكباراً، فقد أعاد إلينا العزة التي افتقدناها منذ زمن طويل.
سبق