في محاضرة عن الثقافات بإحدى الجامعات الأسترالية قبل عدة سنوات، كان أحد الطلاب الخليجيين يتلقى موجة من الأسئلة الناقدة التي يوجهها له الطلاب عن بعض الممارسات الثقافية العربية، التي تبدو غير مفهومة للمجتمع الغربي، شَعَرت المعلمة بالتعاطف مع الطالب، فأرادت أن تنهي الحوار. قالت "لا تقلق سوف يأتي يوم يصبح فيه مجتمعكم متطوراً مثل مجتمعنا" استفزت عبارتها تلك طالباً فرنسياً لا يفكر مثل البقية، طلب الإذن للحديث وقال: "لماذا نعتقد بأن مجتمعنا الغربي هو النموذج الأمثل الذي يجب أن يسعى إليه الشرق؟، من الذي يمنحنا الحق أن نرى أنفسنا على حق، وهم على باطل؟ لماذا نرى من حقنا انتقاد امرأة مسلمة تغطي معظم جسدها، ولا نتفهم انتقادهم لامرأة غربية تكشف كل جسدها على الشاطئ؟ إذا كانوا يعيشون محافظة متزمتة، فنحن نعيش تفسخاً كاملاً، لا يحق لأي كان أن ينتقد أسلوب الآخر لمجرد أنه يختلف معه"..
ذلك الطالب الفرنسي لم يكن له أي ميول دينية، بل كان روحاً حرة لا تؤمن بترديد ما يقوله المحيطون به، ولأنه كذلك، فقد أخمدت مداخلته الحوار تماماً إذ لم يستطع أحد الرد عليها.
تذكرت تلك المحاضرة وأنا أخوض حواراً مع صديق مأخوذ بالنموذج الغربي في الحياة، والذي يعتبره الوجهة التي يجب أن نسير إليها، هو يشاهد الصورة الكبيرة، ولا يلمس التفاصيل الصغيرة. ومع اعترافنا بوجود الكثير من المشاكل في مجتمعاتنا العربية، لكننا لا نرى الجوانب الإيجابية فيه. ربما تكون مجتمعاتنا الأكثر إثارة للجدل بسبب قضايا مثل تعدد الزوجات، والسيطرة الذكورية، ولباس النساء، والفصل بين المرأة والرجل، لكنه أيضا يزخر بالكثير من الإيجابيات التي تفتقر إليها المجتمعات الأخرى.. قائمة طويلة، ليست قداسة الرابطة العائلية أولها، ولا الترابط الاجتماعي آخرها.
المجتمع الغربي الذي يعيش تطوراً مادياً كبيراً، يعاني الكثير من الأزمات الاجتماعية، والروحية، ما يجعله مثالاً رديئاً للاحتذاء. وعندما نتحدث عن أزمة فلا نعني مشاكل التعليم، أو البطالة مثلاً، بل عن إفرازات المجتمع الحديث التي تزداد قتامة، كلما أوغل في ماديته أكثر. ناهيك عن الفوضى الجنسية التي يعيشها، وتزايد استهلاك المخدرات، والمهدئات، وارتفاع معدلات الانتحار.
وأخيراً، تذكر دائما أن تبحث عن مناطق القوة لديك، عن تلك الإيجابيات التي يغبطك عليها غيرك، حافظ عليها بكل ما تستطيع، أما الأهم فهو أن تعترف بعيوبك، وبأماكن الخلل لديك، وأن تعمل على إصلاحها وتقويمها، ليس بناء على ما يريده الآخرون منك، بل على ما يحقق السعادة الحقيقية لك ولأفراد مجتمعك.