العالم الذي كنا نعتقد أنه يتجه ليكون قرية صغيرة يعمها السلام والتفاهم عبر التواصل الاجتماعي المباشر العابر للقيود والحدود، أضحى اليوم تلك القرية المنغمسة في "التعاسة".. حيث يسكنها بشر يعرفون عن بعضهم أدق التفاصيل دون أن يصافح أي منهم جاره!!
..لقد أخرج هذا التواصل المكثف أسوأ ما فينا ونشره أمام بيوتنا على مرأى ومسمع من الجميع.. دون الحاجة لأن يطرق بابنا أحد.. من تلقاء أنفسنا نعلن عن خرابنا وبذاءاتنا.. ونكشف عن وجهنا الحقيقي أمام متغيرات الحياة ومستجداتها.. مثل حبل غسيل على السطح؛ حيث لا سقف ولا حواجز أمام رياح تتلاعب به عسى أن لا يفوت الجميع رؤيته.. ننشر عليه ما فات الجيران أن تخبرهم به أحاديث الوشاة وبعض أوراقنا الثبوتية.
بين ليلة وضحاها أصبحنا نتباهى بمخلفاتنا التي كنا بالأمس نواريها تحت السجاد، وأصبح كل منا يسابق الآخر إلى المزيد من التعري.
ليس أبلغ من تعريف الانترنت في كاريكاتير يصور كلباً يتصفح الانترنت وهو يقول لصاحبه الكلب "إن أجمل ما في الانترنت أن لا أحد يعرف أنك كلب"!!..
هل نتخيل أن في البيت الأبيض رئيس يتابع الفوكس نيوز ثم يطلبون منه إطفاء النور إذا كان يتابعهم فيفعل!! من كان سيفعل ذلك، ومن يلومه؟.. لولا اننا في قرية تعيسة نعلم كل ما يحدث فيها دون أن نفهم أو نتدارك أو نحمي أنفسنا من الانجراف!!
حتى أولئك الذين ينقدون صور أطباقنا التي ننشرها في "السوشل ميديا" هم أنفسهم -أراهن على ذلك- من سينشرون أطباقهم غداً.. عندما نكون قد سبقناهم مرة أخرى إلى نشر صور أكثر خصوصية..
ماذا تريد وأنت تنشر صور عشاءك؟ ربما لا تدري.. لكنه ببساطة شعور التعاسة الذي يلاحقك.. إنها الوحدة التي تسكنك؛ رغم آلاف البشر من حولك!!.
قريتنا الصغيرة لا نعرف سكانها الجدد لكننا نعرف ماذا يأكلون وماذا يلبسون وفي أي غرفة هم الآن.
الرياض