كل العالم يحتفي بموروثه، وتراثه، وتاريخه، ويشكّل معها ثقافته، ويبني معها جسوراً من التواصل الحضاري مع الآخر، ويعكس جانباً من اعتزازه، وإنجازه، ويأخذ من الماضي دروساً وعبراً، ويسير نحو المستقبل أكثر ثقة وتفاؤلاً.
نحن في المملكة نعيش مع الجنادرية مسيرة التوحيد والوحدة، وسيرة المجد والنضال، وعزيمة الرجال التي بنت وضحّت في سبيل حلم بناء الدولة، وتركت للأجيال إرثاً من قيم الوطن، والمواطنة، وزادت من حجم المسؤولية في الحفاظ على ما أُنجز، والاستمرار في تحقيق ما يجب إنجازه، والبقاء في كل هذه التفاصيل أكثر استشعاراً واعتزازاً بعمق الانتماء، وصادق الولاء، والمضي إلى ما ينتظرنا من نجاح، ومستقبل نبنيه على أسس ثابتة، وثوابت راسخة، وطموحات ليست لها حدود.
الجنادرية تراث وطن امتد على مدى عقود من العمارة والمقتنيات، وإرث تاريخي برموزه وأحداثه ومنجزاته وآثاره، وموروث إنسان بعاداته وتقاليده وفنونه، وجميعهم التراث والإرث والموروث جزء من كل في تشكيل ثقافة المجتمع، حيث الذاكرة التي تستوعب التفاصيل، وتعيد حضورها أمام تحولات التمدن والتحديث؛ لتبقى خالدة، وصامدة، بل مغرية في البحث عن الماضي؛ ليس في تراثه الذي يبدو ظاهراً وملموساً إلى اليوم في تصاميم الطين، وأسقف الجريد، وما تبقى من مقتنيات الأكل والشرب والأثاث والنقل، ولكن مغرية بقيم موروثها في الاتصال الإنساني، حين يكون الاحترام والتقدير والصدق والأمانة وبساطة العيش واستقامة المبادئ في الكرامة والوفاء وصدق النوايا، وهي ما نحتاجه اليوم في عالم يعصف بنا من مظاهر تحديث ليست سيئة ولكنها أسوأ حين تغيّر قيمنا، وتزيد الحواجز بيننا، وتثقل كواهلنا بمغريات وكماليات ومراسيم حضور للوجاهة ومصاريف التزام مع الآخر وليس مع الذات وتطويرها.
الجنادرية التي تختصر وطناً بمناطقه، ومساحته، وحكومته، وإنسانه، وضيوفه، وتجمعهم في مكان واحد، وتنجح في كل مرة في التنظيم، وتعدد المشاركات، وتنوع الحضور؛ لم تعد حصراً على الوطن، بل ذهبت رسالة الجنادرية إلى العالم، وعكست صورة جميلة عن وطن آمن ومستقر وموحد، ومحب للسلام، وخادم لمقدسات المسلمين، ويحمل في أحشائه خصوصيته، وثقافته المتسامحة، وإنسانه الوفي، وماضيه المجيد.
هذه الرسالة التي ينقلها الإعلام، ويتفاعل معها بحاجة إلى تسويق أكبر نتجاوز معها المحلية إلى العالمية، من خلال التعاقد مع شركات وطنية تستقطب السائحين من كل مكان، ويحضرون للجنادرية بتأشيرات سياحية، ويرون تاريخ الوطن على حقيقته، ويحملون رسائل إيجابية لأوطانهم ومواطنيهم.
الجنادرية يجب أن تتحول إلى مشروع اقتصادي وطني طموح، ووجهة سياحية تفتح أبوابها لأشهر وليس أياماً، بالتنسيق بين جهات الترفيه والسياحة والحرس الوطني والقطاع الخاص؛ لأنها باختصار مشروع سياحي ناجح ولكنه مؤجل!.