خلال العام المنصرم (2016) اطلعت على أكثر من تقرير يثبت وجود (مغالطات كبيرة) بخصوص معلومات صحية كنا نعدها سابقا من المسلمات العلمية.. ثبت مثلا أنه ليس للدهون الحيوانية والبيض والزبدة علاقة كبيرة بأمراض القلب والشرايين وأن معظم هذه التحذيرات أتت نتيجة دراسات (مدفوعة الثمن) مولتها شركات السكر والحلويات!!
فـالدراسات التي ظهرت في العقود الماضية ركزت على أضرار الكولسترول والدهون المشبعة وتجاهلت مخاطر الاستهلاك المفرط للسكر (الذي يتسبب في البدانة والسكري وإضعاف المناعة وتخزين الدهون ذاتها).
وكي لا نكون مبالغين في كلامنا تذكر دائما أن حجم الجرعة يحدد مستوى الخطورة (وهذه بالمناسبة أهم قاعدة في علم الصيدلة).
فحين نقول مثلا إن هناك مبالغة في الحديث عن مخاطر الدهون الحيوانية لا يعني هذا أننا ننصح بتناولها بإفراط (فهي ماتزال قادرة على إصابتك بالسمنة وانسداد الشرايين).. وحين نحذر من مخاطر السكر نعـني بذلك إضافته بكميات مفرطة في أطعمة الأطفال وصناعة الحلويات والمشروبات الغازية (حيث تتضمن علبة الكولا مثلا ثماني ملاعق كبيرة).
المشكلة ــ التي نناقشها في مقال اليوم ــ تكمن إمــا في إخفاء الحقائق، أو إظهار جانب واحد، أو تزوير النتائج لصالح الشركات المنتجة.
فـالشركات الكبيرة تملك «لـوبي» يمكنه فبركة الدراسات وتزوير النتائج وقمع النزيه منها.. تملك أدوات ضغط اقتصادي (على أجهزة الإعلام) وسياسي (على المرشحين للانتخابات) وأكاديمي (يرفع من قيمة هذا البحث أو يخفضه).
هذا ما كانت تفعله شركات إنتاج التبغ الأميركية التي سبقت الجميع في اكتشاف مخاطر التدخين وتسببه بأمراض سرطانية مميتة.. غير أنها أنفقت ملايين الدولارات على طمس هذه الحقائق من جهة، والترويج لمنتجاتها بصورة إيجابية من جهة أخرى (لدرجة كانت تدفع لأفلام هوليوود من أجل ظهور أبطال الفيلم يدخنون سجائرها أو يتركونها ظاهرة فوق طاولة المطبخ). وبسبب ميزانيتها الدعائية العالية كانت الصحف والمجلات ــ في عقدي الثمانينيات والتسعينيات ــ ترفض نشر أي دراسات نزيهة تؤكد مخاطر التدخين (كون 70% من أرباحها تأتي من إعلانات التبغ)!!
... الحقيقة المؤسفة أن معظم الصرعات الصحية تقف وراءها حملات دعائية تـُسرب إلينا كدراسات علمية.. تذكر معي كم مرة هُـوس الناس بريجيم أو فيتامين أو كريم تجاعيد أو منتج صحي معين ــ أخذ وقته ثم اختفى للأبد .. أنا شخصيا أتذكر دراسات كثيرة روجت مرة لفيتامين سي (باعتباره مضادا للبرد) ثم فيتامين إي (باعتباره حاميا للقلب) ثم زيت أوميغا 3 (باعتباره حاميا للدماغ) ثم فيتامين دي (بمزايا كثيرة أبرزها صعوبة تكونه في أجسادنا بالقدر الكافي).
والخدعة هنا (كما أشرت سابقا) لا تتعلق بأهمية هذه العناصر أو النصائح الطبية ذاتها، بــل في المبالغة بأهميتها، أو تشويه الحقائق ضدها، أو لفت أنظار الناس لمنتج وحـيد لأغراض تسويقية بحتة.
... وكي لا تصبح ضحية للدراسات المنحازة أو المدفوعة الثمن؛ أنصحك بالتمسك دائما بقاعدتين رئيسيتين:
ـــ الأولى: لا تنجرف خلف أي موضة صحية أو دراسة طبية (خصوصا ما يظهر منها بشكل سطحي أو مختصر أو مبتور في الصحف والإنترنت).
ـــ والثانية: عـش حياتك بوسطية واعتدال ولا تفرط في تناول أي شيء (وبهذه الطريقة) لن يضرك أي شيء وفي نفس الوقت لا تحرم نفسك من كل شيء.
الرياض