أنا أيضاً أتمنى أن يتابعني الملايين.. وينبري للدفاع عن "شطحاتي" مئات الآلاف.. أن أتكلم عن الإسكان والمطلقات والأرامل وانقطاع الكهرباء.. وعن كل ما يجلب تصفيق الجماهير ويداعب مشاعرها.. أريد أن "أكذب"، أتجاهل ما لدي من حقائق.. وأقول ما تود الجماهير أن تسمعه بالضبط دون أي إضافة، أريد أن أكتب عن الحكومة وعن وظيفة لكل مواطن ومدرسة لكل مواطن وصيدلية لكل مواطن.. أليس من السهل أن أقول لكم الموت لإسرائيل.. وتسقط إسرائيل.. بدلاً من مناقشة الانقسام الفلسطيني والولاءات العابرة للقضية.. والمرتزقة في القضية.. وعلى القضية؟
هذه هي الحكاية باختصار، هناك من يكذب على الجماهير، من يردد الكلام الذي يطربها، من يوردها الماء ويعيدها عطشى، نماذج تتاجر بهموم الجماهير وخبزها، بمقابل بخس ليس إلا الحصول على تصفيق.. و"ريتويت" و"لايكات" ومزيد من "المتابعين".. فئة خطيرة تردد الشعارات الزائفة والمبالغات السوداوية وتتعمد تغييب العقل والمنطق.. وليس لديها إلا عبارات فارغة تسوقها على المهمومين الذين يعيشون على مثل هذه المسكنات.. ويريدون سماع مثل هذه المقولات التبريرية التي لا تفيدهم في شيء، بل أحياناً تكون سبباً في تكريس عقدة المؤامرة ورمي التقصير والأخطاء على الآخرين.
وهي ليست قضية محلية.. ففي كل دول العالم الثالث الغلبة للأسف لـ"الصراخ"، ولمن يعلو صوته حتى لو كان هذا الصوت نتيجة الفراغ في داخله.. وإلا لما سمعنا بنكرات تحترف البذاءة والكلام الرخيص مع كل خلاف سياسي أو حادثة عارضة بين بلدين.. ولما سمعنا بتمجيد شخصيات في مقاييس العقل والمنطق هم مجرد قطاع طرق ورؤساء عصابات وديكتاتوريات انتكست بأوطانها وأدخلتها في حروب وظلمات لم تنته بوفاتهم ولن تنتهي.
حتى المذيع أو المغرد المهووس بالجماهير لا يرى أتباعه إلا قطيعاً يساق.. ويصرح في مجالسه الخاصة أنه لم يقل رأيه صراحة خشية جماهيره، حيث يعيش رعب أن تنفض من حوله لو علمت بحقيقة مواقفه من قضاياهم؛ حتى بلغ ببعض "طلاب الجماهير" إخفاء علمهم خشية فقد هذه الجماهير وهذه قضية أعظم، تبرز في القضايا الشرعية؛ حيث راجت فتاوى خاصة بالخاصة وأخرى خاصة بالجماهير أو من يسمونهم أحياناً "الغوغاء"..
هل نكمم أفواه هؤلاء، أم نراهن على مواجهتهم عبر دعم منابر الأصوات الواقعية والمنصات التي تخلق الوعي المضاد؟.. الخيار واضح بلا شك، لكنه مكلف ومرهق خصوصاً في المجتمعات المتخلفة التي لا تحاسب على "الكلام"!!
الرياض