عند الهزيع الأخير من الليل، دخلَ غرفةَ الطوارئ، استلقى على ظهره، وتمدد على السرير متهالكًا، يحسّ باختناق شديدٍ، وضيقٍ في التنفّس، وغثيانٍ، ودوخةٍ.. دارَ في خَلَدِه أنّها الرقدةُ الأخيرةُ له في هذه الدنيا!
أسرع الطبيبُ إليه يفحصُه، فوجد أن ضغطه قد تجاوز المئتين، ونبضات قلبه فوق المئة والخمسين.. وصفَ له حبوبًا لتخفيض الضغط، وأخرى لتهدئة القلب. فما أفادتْ معه شيئًا! لا زال الضغط كما هو، ولا زال القلبُ يرجُفُ!
ومع الصباح غادرَ المشفى على أملِ أن يعرض نفسه على طبيبٍ متخصِّص.. وقضى أيامًا طويلةً يطوفُ فيها على المشافي، وكانت نتائج الفحوص تأتي "سليمةً"! احتار الأطباء في أمرهِ، وعجزوا عن أن يتوصلوا إلى تشخيص حاله، ثم لم يجدوا إلّا أن "يتّهموه" بالوسوسة، ووجوبِ عرْضِه على طبيب "نفساني"!
عادَ الرّجلُ إلى نفسه، يتفقّدها، يحاسبُها، يسائلُها: ما هذا الذي يحدث؟ ما سببُه؟
راجعَ شريطَ حياتِه في الفترة الأخيرة، فوجدَ أنّ المصائبَ قد تكالبتْ عليه من كل حدبٍ وصوبٍ، فُقدان أعز الناس عليه، إخفاقٌ شديدٌ في العمل، جفاءُ أقربِ الناسِ إلى قلبِه. هذا ما بينه وبين الناس، أمّا ما بينه وبين خالقِه فقد وجد أنه كان مقصِّرًا كل التقصير في حقّه -جل وعلا-.
هنا أيقن الرجلُ أنّ "جسدَه" قد أعلنَ احتجاجَه، وقال كلمتَه، فلم يعُد يطيقُ صبرًا على كل هذه التحوّلات النفسيةِ الرهيبة، ولا هو قادرٌ علىأن يحتوي روحًا ابتعدتْ عن الله!
عادَ إلى ربه، ووثّق صِلتَه به، وتعامل مع الناسِ بما يرضي الل، وبعد فترةٍ عاودَ زيارة الأطباء، فدُهشِوا من وضاءةِ وجهه، وصحّة بدنه، وسلامة الفحوص، فأخبرهم الخبر، فضربوا كفًّا بكفٍّ!
ما كل الأمراض البدنية منشؤها مادّيٌّ.. إن الروحَ لتمرَض!
تعاهدوا أرواحكم؛ قبل أن تتلف أجسادكم!