التراث والأثار وعاء للحضارة ،وماعون للثقافة . فهي تحفظ الخصائص الجوهرية للأمة التي تميزها عن سواها و هي العلم الذي يُعنى بدراسة المخلفات المادية للإنسان القديم .
ومع التغير الذي اجتاح العالم بسبب التطور والمدنية اتجهت الأنظار إلى فنون خاصة ارتبطت ببساطة الشعوب ، وعاصرت نتائج العولمة بسرعة النقل والتأثر، واكتسبت جودة الإعداد .
وللحقيقة : فعناصر التراث لم تفقد أجيالها الشابة ؛ بل تطورت بمعطيات الحضارة وتقدم المعرفة ،و ارتبطت بمحاولة الرصد الواقعي ،وناقشت مفهوم الثوابت الثقافية المتكاملة ، كما بينت روعة الثقافة ،وأسلوب الحياة وجغرافية المكان.
وهذا الحضور الذي نشهده في ساحة المحاورة وعشق الجمهور لنوع الإنشاد والموال هو ارتباط باللحن وعذوبته وربطة بالأغنية التراثية القديمة واقتباس منها في اللحن الذي يعشقه الجمهور.
إن انسجام الخصوصية بدلالات لحنية ثرية بروعة الصوت هو في اعتقادي نوع من التطوير وتوثيق وتسجيل علاقة وثيقة بين المنشد والمتلقي، وفيه حماس وعذوبة صوت وروعة معاني .
وتراثنا يعلو مفتخرا بكل الإضافات التي تم تجديدها أو ابتلاعها لتسمو نحو التطور الذي تشهده العولمة.
لكن هناك تغييب لبعض الألعاب والأهازيج أو الموروث الشعبي الماضي مثل فنون الطائف (المجرور والمجالسي ) أودقة الزير أو عرضة عنيزة وطبولها أو العرضة الحايلية والسامري، أو العرضة النجدية التي لا يجيدها إلا فرقٌ بسيطة، تنتقل من مكان إلى أخر فكانت عبارة عن رصد ثقافي قديم يحيي الحفلات و المناسبات الخاصة فأثارت جيل اليوم، وأدهشت السياح ؛ لأنها تعبير عن أصالتنا وحياتنا الاجتماعية.
الاهتمام بالموروث الشعبي لا ينفصل عن الإهتمام بآداب المجتمع ، فلا بد للموروث والأدب من منتِج وكاتب كما أنه لا بد له من قارئ وناقل ، ومن ذلك محاولة إعداد كتب تعتني بهذه الألعاب ،أو تعرض بعضها في صور حكايات يستغربها جيل اليوم ، أو لا يعرف بعضها مما سبب هجرها والاهتمام بما تعرضه قنوات الفن الشعبي والغناء والرقصات الفلكلورية التي يعشقها الكثير ويستغربها البقية نظراً لأنها صارت في مسار النسيان أو الاندثار ولعل الروابط المتوارثة التي حققت تلاحما ثقافيا في السابق هي المطلوبة في هذا العصر.
وفي اعتقادي أن المثقفين متهمون باستيراد الثقافة الخارجية وإهمال ثقافتنا المحلية وعاداتنا وأصالتنا ،وكذلك أهملوا أهازيج طفولتنا وحكاياتنا ورقصاتنا الشعبية الممزوجة بالطبل أو التصفيق أو التمايل الحركي ولعل من أسباب إهمال هذا الموروث هو تقليد الآخرين وخصوصاً الغرب والعولمة ومجرياتها وما عرضته من تطور في نقل التراث أو تجديده أو تقليده كما هو شأن الإنشاد والموالات فتغيبت ملامحه وامتزجت بنوع من تقنيات هذا العصر ،حيث اختفت جرة الربابة وطبل العرضة وأهازيج الألوان الشعبية وأُلغيت الفنون الحركية ، ومن أسباب ضعف العناية بالتراث هو عدم الإهتمام من هواة التراث بسبب عدم التشجيع أو الإشادة بنتاجهم الأدبي ، وجهودهم في ذلك .
والحقيقة فنحن الذين أضعنا تراثنا بأيدينا فألقيناه في زمن الطفرة في الشارع، أو بعناه في الحراج وسوق الخردة أو عرضناه في متاحف الجنادرية.
لذا يجب علينا إيقاظ هذه التراثيات والإهتمام بها، وتشجيع رموزها ، وصرف تكاليف وأتعاب من يعتني بها ، وإقامة دورات خاصة تهتم بألوان الرقصات والفنون الشعبية
وبالرغم من نسيان هذا الموروث أو عدم الاهتمام به والتعلق بالإنشاد والألحان الحديثة والمليئة بمؤثرات الصوت إلا أنه ليس بعيداً عن الصورة المشرقة ويعد تجربة جيدة لأدبنا وأصالتنا لأن تراثنا فيه أهداف عامرة بالتفوق قادرة على التعبير وعن الواقع الذي عاشه الآباء وارتبط بهم ،وتمسك به الأبناء فكان هناك ارتباط وثيق بملامح هذا التراث فيما يقدم من أهازيج أو العاب شعبية تم تجديدها ضمن جهود بعض الهيئات والفرق والجمعيات أو اجتهادات فردية من بعض الأشخاص وهو ما نلاحظه في عدة برامج شعبية أثناء لقاءاتها مع هواة هذا التراث والمجيدين له وسرده وعرضهم لبعضها ؛ وكأننا لا نعرف مكانتها القديمة، أو أنها كانت في طي النسيان ،ومن ذلك الألعاب القديمة التي كان يمارسها الآباء والأجداد وبعفوية وبروح منتمية للوطن وتجسد روح الانتماء للوطن وتعبر عن معنى الهوية الوطنية،وتمتاز بقوة العلاقة والقيم الأخلاقية، لكنني أؤكد أن تراثنا ملئ بالروائع ونماذج جميلة يجيدها من حافظ على هذه الهوية من أبناء هذا الوطن ، وعشاق المجد في وطن المجد .
التعليقات 1
1 pings
سالم الهذلي
07/02/2019 في 2:33 م[3] رابط التعليق
اذا نشاء جيل بلا مورث في زمن الانفتاح على الحضارات سوف يرتدي الثقافة السائدة ويفقد تاريخة
مقال مميز