أرعدوا وأزبدوا ورقصوا كرقصة الهنود الحمر حول النار..طربًا وابتهاجًا بإساءة ترامب للسعودية.. كتبوا المقالات المطوَّلة في صحافتهم الصفراء.. أشعلوا وسائل التواصل الاجتماعي.. عقدوا البرامج الحوارية في قنواتهم الدعائية العدائية الموجهة التي تروِّج للكراهية والتمييز.. وتهدي منابرها للإرهاب والإرهابيين ليبثوا خطابات التطرف والقتل والهدم عبرها.. تلك القنوات التي تمارس الرذيلة الإعلامية في وضح النهار دون شرف ولا أخلاق ولا مهنية.. وتتعرى دون خجل أمام جمهورها مرة بعد مرة وكذبة بعد كذبة وإشاعة بعد إشاعة.. ولا تثوب ولا تتوب لأنها تعلم أن جمهورها ليسوا إلا مجموعة من المغفلين الحمقى الجهلة الأغبياء عاشقي الإثارة ومدمني القبح والرقص الإعلامي.. وحفنة من المغرضين المرضى بالرعب من كل ما هو سعودي.. تلك القنوات الفاجرة التي لا همَّ لها إلا استضافة المرتزقة من كل مكان ليشتموا السعودية والسعوديين.
ديّوثو العروبة أولئك تساءلوا طويلًا وكثيرًا عن ردِّ السعودية الغائب.. وتباكوا بدموع التماسيح.. ليس حبًا في السعودية أو غيرةً عليها وعلى عروبتها.. وإنما محاولة لإظهارها بمظهر الضعيف العاجز أمام صلف الرئيس الأمريكي من ناحية.. ومحاولة بائسة للتحريض والتحريش للذهاب بالموقف السعودي إلى المواجهة وتأجيج الصراع مع دولة عظمى.
لقد سخروا واستهزأوا بشكل مملٍّ وممجوجٍ ومثيرٍ للغثيان.. وأعلنوا التحدي من جانبهم بأن السعودية لن ترد.. بل لن تتجرأ على مجرد التفكير في الرد.
حسنًا.. السعودية من الأساس لم تكن بحاجة إلى أي ردٍّ ومن أي نوع.. لا عبر مجلس الوزراء.. ولا عبر وزارة الخارجية كما جرت العادة.. ولا حتى عبر مصدر إعلامي مسؤول.. وهذا ما حصل فعلًا.. لأنها تدرك أن الدعاية الانتخابية لمرشحي الرئاسة الأمريكية ومنذ سنوات طويلة لا بد أن تحمل إساءات للسعودية إرضاءً للُّوبي الصهيوني المؤثر هناك.. وقد عبَّر عن ذلك السفير السعودي الأسبق لدى الولايات المتحدة الأمريكية الأمير بندر بن سلطان.. قبل أن ينقلب العاقُّ على أبيه بسنوات.. وقبل أن يولد البعير "المُكَوِّر"، وقبل أن تفكر السعودية في حفر قناة شرق سلوى.. فالسعودية تتعامل مع أمريكا عبر طاولات القرار وعقود المشاريع والاستيراد والتصدير والاستثمارات وشراء السندات وليس عبر المايكات واللافتات الدعائية.. كما أن السعودية لا تستضيف أية قاعدة عسكرية أجنبية ولا أية قوات من أي نوع لتحميها كما تفعل بعض الدول الصغيرة جدًا جدًا جدًا.
وبعد حفلة الرقص تلك.. خرج الزعيم محمد بن سلمان في لقاء صحفي مطوَّل مع وكالة بلومبيرغ.. دار أغلبه حول الوضع الاجتماعي والاقتصادي في السعودية وخصخصة أرامكو والمشاريع الجديدة ورؤية 2030 والبطالة وغيرها.. وعندما وجه له الصحفيون سؤالًا حول حديث الرئيس الأمريكي وأنه لولا حماية أمريكا للسعودية لسقطت خلال أسبوعين.. وأنه يجب على السعوديين الدفع مقابل حمايتهم.. أجاب بهدوء وثقة بأن السعودية أسبق من ظهور أمريكا بثلاثين عامًا.. وأنها تشتري السلاح من أمريكا وغيرها لتدافع به عن نفسها.. وأنها ليست بحاجة لحماية أحد ولن تدفع لأحد مقابل ذلك.. وأنه يفضل التعامل مع الرئيس ترامب وأن الجزء السيئ في شخصيته كصديق قليل مقارنة بالإيجابيات.. وأن العلاقات مع أمريكا ممتازة..وأن السعودية تعمل مع أمريكا جنبًا إلى جنب للقضاء على الإرهاب ومواجهة الأطماع الإيرانية.
هذا الرد الهادئ الواثق البسيط في لقاء صحفي عادي جعل الجوقة يبلعون ألسنتهم.. ويتحسسون رقابهم هلعًا.. ويستعجمون كبهيمة.. بعد أن بلغ صراخهم الآفاق.. وإذا برقصتهم تلك تنقلب إلى رقصة ديك مذبوح يتمرغ في الوحل لينقذ نفسه وأنَّى له ذلك.
لقد أرعبهم هذا الشاب الواثق الطموح المؤمن بشعبه..الساعي بوطنه إلى العلياء بقوة وثبات.. إنه يصيب هؤلاء الصغار الأقزام دائمًا "بأم الركب".. ويصيب الحاسدين والحاقدين والأعداء بالمغص الشديد في كل ظهور إعلامي له.. لقد أصبحوا يراقبون كل حركاته وسكناته.. ويصيخون السمع لكل همساته وكلماته.. ويبقون لأيام وأسابيع وأشهر يحللون ويستنبطون مراده وأهدافه.. فملأوا به الدنيا وأشغلوا به الناس وهم لا يشعرون.. وكأنه فضيلة أتاح الله لها لسان حسود.. وكم من مرة أثاروا حوله زوابع الأكاذيب والافتراءات ثم خرج عليهم كماردٍ يطأهم تحت أقدامه وهو لا يراهم.. وهاهم يسيرون خلفه وهم صاغرون كرهًا وتوجسًا ورعبًا.. لا انقيادًا وحبًا.. وتلك لعمري علامات الزعامة وإشارات القوة والتمكين في الأرض.. عندما ترى الأعناق مشرئبة إلى القائد.. أعناق المحبين والكارهين.. المعجبين والطامعين.. من يرجون ومن يخشون.. ومن يأملون ومن ينقمون.
إنه ابن مدرسة الملوك ومستشار الملوك..إنه ابن سلمان بن عبدالعزيز.. إنه محمد بن سلمان.. لا أبا لكم ولا عزاء أيها الأراذل الجبناء.