في هذه الايام المباركة تكمل المملكة عامها السادس والثمانين منذ التوحيد من عمرها المديد بإذن الله وهو يمثل المدة الزمنية الممتدة بين اعلان توحيدها تحت اسم المملكة العربية السعودية الى يومنا هذا.
ولقد كان ذلك الاعلان تتويجا لكفاح طويل قاد خلاله الملك الموحد لله ثم الموحد للوطن شعبه الوفي في كفاح استمر اكثر من ثلاثين عاما تمكن خلالها من تحويل الشتات الى وحدة امة انضوى تحت لوائها اغلب اجزاء الجزيرة العربية بمساحة تربو على مليوني متر مربع امتدت من الخليج العربي شرقا الى البحر الاحمر غربا ومن عرعر شمالا الى جازان جنوبا ونتج عن ذلك ميلاد دولة حديثة قوية عزيزة لها مكانتها ووزنها وثقلها المحلي والاقليمي والعالمي على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية والعسكرية بالاضافة الى ان لها دورا فاعلا في تحقيق الامن والسلم العالميين ليس هذا وحسب بل ان لها دورا اغاثيا وانسانيا لا يماري عليه احد تمثل في مركز الملك سلمان للاغاثة والخدمات الانسانية ناهيك عن خدمتها للحرمين الشريفين وزوارهما من الحجاج والمعتمرين فهي تبذل كل ما في وسعها من الجهود المادية والمعنوية لتحقيق ذلك فهي مهوى افئدة المسلمين في مشارق الارض ومغاربها ما جعلها تتحمل بكل كرم واريحية مسؤولية القيام بكل ما يخدم الاسلام والمسلمين والدفاع عنهما على كافة المستويات.
نعم لقد حققت المملكة خلال الـ(86) عاما المنصرمة منذ توحيدها معجزة فوق الصحراء فالشتات تحول الى وحدة كلمة ووحدة وطن ونتج عنه امة لها مكانها المرموق تحت الشمس. كما ان الجهل حورب بالتعليم فمن وقت كان يندر فيه من يجيد الكتابة والقراءة الى ما نشاهده اليوم من انتشار للتعليم على كافة المستويات حتى اصبح عدد الطلبة والطالبات يربو على ستة ملايين طالب وطالبة في مختلف مراحل التعليم فالتعليم العام انتشر وعم حتى المراكز والهجر والتعليم العالي عم جميع المناطق حتى اصبح لدينا اكثر من 35 جامعة حكومية واهلية وذلك بخلاف الفروع والمعاهد التابعة لها او المستقلة عنها كما ان التعليم الفني والتقني اخذ دوره في منظومة التعليم اما الخريجون فهم من حمل ويحمل على عاتقه هذا البناء الشامخ وعلى الرغم من ان الكم في التعليم سبق الكيف بمراحل الا ان رؤية 2030 سوف يكون من اهم مرتكزاتها الاهتمام بالكيف وذلك ادراكا من ان التعليم هو الركيزة الاساسية في تقدم اية امة من الامم. اما المرض فقد حورب بنشر الوعي والتثقيف وبناء المستشفيات وتعميمها وبالعلاج المجاني ناهيك عن ارتفاع مستوى المعيشة.
اما الفقر فقد افاء الله على هذه الدولة المباركة من نعمه حيث اكتشف البترول الذي بعوائده تحقق كثير من الانجازات وما زال مستمرا كمصدر شبه وحيد للدخل ما جعلنا رهينة ذلك المصدر المهدد بالنضوب من ناحية، وبالتحييد من ناحية ثانية وبالاستغناء عنه من ناحية ثالثة وبعدم استقرار اسعاره من ناحية رابعة وهذاه الامور وغيرها ادت الى اطلاق رؤية 2030 التي من اهم مقوماتها العمل على تعدد مصادر الدخل وبدء العد التنازلي للاستغناء عن البترول كمصدر وحيد للدخل مدركين ان استقلال الامم منوط بتعدد مصادر دخلها وقوتها الاقتصادية ومستوى التعليم فيها.
ان الأجيال الذين تربو أعمارهم على خمسة واربعين عاما او اكثر يدركون النقلة النوعية التي حدثت في المملكة خلال تلك الفترة المنصرمة على كافة المستويات والشواهد على ذلك ملء العين والبصر.. وبما ان الامم الحية لا تركن الى ماض تليد والا الى حاضر سعيد فانها تضع لها رؤية مستقبلية تعمل بكل ما اوتيت من قوة من اجل تحقيقها عمادها في ذلك التخطيط والانضباط والطموح على قاعدة قول الشاعر:
اذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
وعلى هذا التوجه جاءت مرحلة التحول الوطني ورؤية 2030 كخطوة جبارة ناتجة عن تقييم وتقويم لتجاربنا السابقة وبالتالي وضع الحصان امام العربة تمهيدا لتحقيق استقلال المملكة عن الاعتماد على البترول كمصدر شبه وحيد للدخل والعمل على تعدد مصادر الدخل التي يؤمل منها المساعدة على حل مشكلات الاسكان والبطالة وتحقيق الامن المائي والغذائي وتطوير التعليم والحد من تكدس العمالة الاجنبية ناهيك عن تحقيق مزيد من الانفتاح وتعميق مرتكزات القوة والمنعة في كافة المجالات وتحقيق التوازن بما يكفل تقوية اللحمة الوطنية من خلال وحدة الكلمة والوقوف بكل حزم امام التحزب والطائفية والتصنيف وغيرها من السلبيات.
نعم لعله من حسن الطالع ان تكون المدة الزمنية التي تفصلنا عن الذكرى المئوية لتوحيد المملكة (1451)هي نفس المدة الزمنية التي تفصلنا عن تحقيق روئية 2030 وقدرها اربعة عشر عام من الان وهذا يعني اننا سوف نحتفل بعد اربعة عشر عام بمناسبتين هامتين الاولى الذكرى المئوية لتوحيد المملكة والثانية الاحتفال بتحقيق رؤية (2030) والتي تصب في تلك الذكرى العظيمة فلنغذ السير ولنسابق الزمن من اجل تحقيق اكبر قدر من الانجاز على كافة الصعد والمستويات خصوصا اننا احتفلنا بالذكرى المئوية للتأسيس قبل ثمانية عشر عاما (1419) وفرحنا بكل الانجازات التي تحققت خلال المئة سنة الممتدة بين 1319 و1419 وهذا يعني اننا يجب ان نحقق انجازات اكبر واكثر في الذكرى المئوية لتوحيد المملكة الممتدة بين 1351 و1451 اخذين بعين الاعتبار ما تضمنته رؤية 2030 من افكار واستراتيجيات معتمدين في تنفيذها على العنصر الوطني والخبرة الوطنية فهي الباقية اما الخبرة الاجنبية فهي منقولة وغير مستقرة تنتهي بنهاية العقد المبرم معها ناهيك عن أن الخبرة الوطنية منسجمة مع البيئة الوطنية ومدركة للواقع وللامكانات المتاحة.
حفظ الله مملكتنا الحبيبة وشد ازرها في محاربة الارهاب والوقوف بحزم وشمم امام المتآمرين وأيد بالحق قادتنا ووفقهم لكل ما فيه صلاح البلاد والعباد.
والله المستعان..