الدمة موروث أصيل، وفن فلكلور شعبي عرفت به منطقة عسير منذ أكثر من 200 سنة، ولون الدمة جاء من كلمة (دم) وتعني دم الشي وهدمه على مستوى الأرض، فالدمة يجب أن يكون فيها حماس ولياقة بدنية، وهذان العاملان يجب أن يكونا في الذي يريد النزول لميدان الدمة.
ومن أجل ذلك أحببت أن أتطرق إلى موضوع شعراء الدمة وما لهم وما عليهم، وقد شد انتباهي بعض المحاورات خلال الليالي القليلة الماضية، والتي فيها حماس كبير من الجمهور ومن الشعراء وإبداع في القصايد منقطع النظير، حيث أنها أعادت لنا الوهج الحقيقي للدمة بشكل عام.
وأنا أرى أن نجاح الحفلات وإحياء الموروث لا يكون إلا بوجود شعراء يعطون الشعر حقه ويشبعون ذائقة الجمهور المتعطش لعودة الندية وعودة الدمة برونقها الحقيقي الذي يميزها عن الموروثات الأخرى، لقوة مفرداتها وصعوبة حبكها وسبكها الذي كاد أن يختفي ويتلاشى بسبب كثرة المجاملات بين الشعراء وادعاء المثالية، ولا مانع من المنافسة لأن هذا هو حال الشعراء من سابق العصر والأوان، وتركهم يخوضون النزال في ميدانهم الذي هو المكان الوحيد لإبراز مواهبهم وعصر أفكارهم وترك الحرية لهم، فأنا أحترم جميع الشعراء وفي مقدمتهم الشاعر الكبير الذي تستحم دماته بأشعة الشمس وتتعطر بالمسك وتفوح برائحة البرك والشذاب، وتملأ الميدان حماساً وجمالًا، وترسم الكثير من المعاني الرائعة شاعر تهامة إبراهيم امسحاقي وبقية زملائه من فطاحلة الشعراء،أعتذر عن ذكر الأسماء، وبصماتهم في ميادين الشعر محفوظة في قلوب جمهور وعشاق الدمة ومنقوشة بماء الذهب في سطور التاريخ.
وأشيد بهم إلا أن بعض الشعراء يستحقون وسام الشرف في قوة حضورهم ،وإذا نظرنا إلى هذا الموضوع بنظرة محايدة نجد أن أكثر الشعراء يتجنب المحاورات التي تكون فيها وتيرة القصائد عالية المستوى ورتم الحماس كبير، وذلك لمحسوبيات ليس لها علاقة لا بالشعر ولا حتى بالجمهور، وإنما هي اجتهادات شخصية تسببت في قتل متعة الحوار بين الشعراء وفي تفكك المجتمع الطربي الذي يعشق هذا اللون من الشعر، والجميع يعلم أن الدمة في أساسها لعبة حرب وهي حرب بين الشعراء ولكنها حرب لفظية فقط.
منتهى الكلام اتركوا شعرائنا يمتعوننا بسجالهم وجدالهم بعيدًا عن التطرق للسياسة والدين والقبيلة كما عهدناهم، فموروث الدمة يستحق العناية به فهو موروث الأباء والأجداد، وعلى الجمهور الابتعاد عن المفاضلة بينهم، وفي نهاية المطاف نحن المستفيدين لما نسمع منهم فجميعهم يمثلون قبائل عسير، وهم من يحافظ على هذا الموروث الذي نفخر به وبشعرائه عامة دون استثناء، فجميعهم شعراء ومبدعين بهم نفخر ونفاخر.