
قال مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، الأمير خالد الفيصل، إن الفكر لا يواجه إلا بالفكر وإن هذا هو سبب اختيار شعار كيف نكون قدوة؟ في هذا الوقت.
وقال أمير منطقة مكة المكرمة عقب افتتاحه اليوم معرض ملتقى مكة الثقافي التشكيلي ومعرض الجهات المشاركة مستهلاً ندوة “أسئلة القدوة”: “بما أن هذه الندوة عن التساؤلات فلعلي أختصرها “بكيف ولماذا” وسأبدأ بلماذا هذا الشعار والمشروع؟ لأنه امتدادٌ لمشاريع وشعارات سابقة، فقد كانت البداية مع ثقافة الأمل والتفاؤل في مواجهة ثقافة الإحباط ثم نحو العالم الأول ثم احترام النظام ثم منهج الاعتدال السعودي واليوم نتحدث عن “كيف نكون قدوة.”
وأضاف أن سبب اختيار شعار كيف نكون قدوة في هذا الوقت بالتحدي، هو أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، وهذه البلاد تواجه حملة شرسة ضد الإسلام والمسلمين، وقد خص الله سبحانه هذه البلاد بوجود بيته العتيق فيها، وأن آخر الرسالات السماوية نزلت على آخر الرسل محمد بن عبدالله -عليه الصلاة والسلام- في هذه البقعة من الأرض، ومن هذه الأرض بدأ شعاع الإسلام يشرق على العالم أجمع، وامتد إلى كل مكان رغم الضغوط “.
وتابع: “الهجمة الشرسة التي تمارس ضد المملكة العربية السعودية إعلامياً وثقافياً واقتصادياً وفكرياً وتقنياً، كلها وجهت لتفشل التجربة العظيمة التي تبنتها هذه البلاد بقيادة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه، ذلك التأسيس الذي بني على القرآن والسنة “.
واستطرد الأمير خالد الفيصل: “لقد وحدت هذه البلاد على التوحيد، وقد وحد الملك عبدالعزيز القلوب قبل الأرض والشعوب وكان رحمه الله ومن معه من رجال يسبحون ضد التيار، في وقت كانت فيه الدول والشعوب العربية تحت وطأة الاستعمار العسكري الذي فرض نفسه بالقوة، فقسمها وألغى اللغة العربية لغة القرآن وفرض عليهم لغات أخرى، ولقد كان ذلك حال الشرق الأوسط والوطن العربي الكبير، إلا أن الحال في هذا البلد كان مختلفاً، إذ كانت تسير على نهج إسلامي وأكرم الله سبحانه تلك القيادة وهداها إلى أن تختار القرآن والسنة دستوراً لها”.
وأضاف: “اتخذت هذه البلاد أيضا من كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله راية لها، كما أنها أول دولة تضع العربية في اسمها، فهذه السباحة ضد التيار لم ترق للبعض فبدأت المحاربة ليتخلى الإنسان السعودي عن مبادئه التي تحلى بها، فكان من الواجب على أهلها الذين شرفهم الله وأكرمهم بمجاورة البيت العتيق أن يتمسكوا بهذا النهج الذي أصبح شعاراً لهذه الأمة، فانتصروا سياسياً واقتصادياً وثقافياً وفكرياً “.
وأشار إلى أن “تلك النجاحات لم ترق للبعض، فجعلتهم يعمدون إلى النيل من الإسلام، وأن يجعلوا له تصويرًا مختلفاً عما هو عليه وللأسف الشديد خرج من بين جلدتنا أناس ساعدوا أعداء الإسلام فشوهوا صورة المسلمين وظلموا الإسلام بمنهجهم المتطرف والتكفيري والإرهابي الذي أساء للمسلمين أجمعين، مثل القاعدة وداعش وغيرها من المنظمات والميليشيات، والأتباع الذين أيدوا تلك الحركات التي ظاهرها الإسلام وباطنها الكفر والابتعاد عما دعا إليه الإسلام من مبادئ حسنة، فكفروا وقتلوا المسلمين وأساءوا لهذا الدين العظيم”.
وقال الفيصل متحدثًا لحضور الندوة: “أصرت بلادكم قيادة وشعباً على المضي قدماً في تحدي كل من أراد إفشال تجربتها”، واستشهد بزيارة الرئيس روزفلت للوطن العربي حين لم يقابل من الزعماء إلا الملك عبدالعزيز يرحمه الله، وذلك قبل أن تكون هذه البلاد من أكبر دول العالم المصدرة للنفط، بل كانت تلك الزيارة لأجل المجتمع وقيادته، واليوم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يستقر رأيه على أن تكون السعودية أولى محطات زياراته الخارجية ولقاء قائدها الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله، “هذه رحلتكم رحلة النصر والقيادة والقدوة والتي جاءت نتيجة تمسككم بدينكم وتصميمكم على الحفاظ عليه وعلى مبادئكم وقيمكم دون أن ترضخوا للتهديد والوعيد”.
وتابع إن “الاستمرار على هذا النهج يأتي بحمل الرسالة وتأدية الأمانة من خلال التمسك بالقيم والمبادئ الإسلامية وثقافتنا وعلمنا وألا تأخذنا في ذلك لومة لائم، فلقد أثبتنا بالتجربة أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وأننا لن ننجرف خلف التيارات الأخرى التي تخالف دستورنا الإسلامي، ولن نخضع أو نركع إلا لله “.
وأضاف: “نكون قدوة كما كان الأوائل الذين أوصلوا الإسلام إلى أصقاع العالم عن طريق التجارة من خلال القيم والأخلاق والصدق والأمانة وحسن التعامل مع الغير، وهي الصفات التي نريدها اليوم لنا ولأبنائنا وللمسلمين أجمعين ليس بظلم داعش ولا فسق القاعدة، فنحن أحق بالقدوة من غيرنا، فالله شرفنا بجوار بيته وخصنا بخدمة قاصديه فأصبحت لدينا رسالة وعلى عاتقنا أمانة يجب أن نؤديها “.
وختم الأمير خالد الفيصل حديثه بالقول: “اسمحوا لي أن أذكر عناصر القدوة في المجتمع وهي الأب في منزله، والمعلم في مدرسته، والخطيب في مسجده، والمسؤول في إدارته، لو صلحوا صلح المجتمع”.
وقال مستشار وزير الداخلية، الدكتور ساعد العرابي الحارثي خلال إدارته لجلسة “أسئلة القدوة”: “إن الإنسان بفكره وسلوكه صانع للحضارة أو مدمر لها يرتقي بنفسه وأمته إلى السمو والعلا”.
وأضاف: “نحن المسلمون أولى بهذه الصفات انطلاقًا من عقيدتنا، ففي العقيدة العقل والفكر أساس الحركة، والفعل والصدق والأمانة والإخلاص والوفاء والعطاء من قيمها الأساس ومن هذا المنطلق أتت مبادرتكم “كيف نكون قدوة؟” وهي من مبادرات الخير”.
وأكد الرئيس العام للحرمين الشريفين، الشيخ عبدالرحمن السديس، أن الأمير خالد الفيصل لازال يمد هذه المنطقة بمشاريع مميزة كهذا المشروع في إرادته وفكره وثقافته، ونحن نفخر في هذه المنطقة أننا نعمل تحت إمرته وفي مثل هذا البرنامج المحفز لنا جميعاً وخاصة وأمتنا تمر بهذه التحديات الكبرى .
وأضاف: “بحثت ووجدت أن أسئلة القدوة ست أسئلة هي من، ما، وكيف، ولماذا، وأين، ومتى، وكل الأمور تدور حول ذلك”.
وأكد الشيخ “السديس” أن ديننا الحنيف يحثنا في كتابه الكريم وسنة نبيه على القدوة في أكثر من موضع ومكان ووضع لنا المنهج والطريق الذي نسلكه.
وتابع: “أهم ما ينبغي عنه هذه الهجمة الشرسة التي تواجهها الأمة وهذا الوطن وتستهدف دينه ولحمته، فهناك حرب لم تعد خافية على أحد وتذكيها وسائل الإعلام، وهنا أضيف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي ينبغي أن تكون قدوة في عملها”.
وأشار إلى أن كثيراً من الشائعات التي تستهدف رموز البلاد تنطلق من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، مؤكداً على ضرورة أن تكون هذه الوسائل الإعلامية في خدمة التوحيد والوطن الغالي .
وتابع الشيخ السديس: “البيت والأسرة عليهما مسئولية كبيرة، فالأبوان الكريمان مهمتهما كبيرة جدا ويجب أن يكونا قدوة لأبنائهما في كل شيء، فالأب الذي يكذب ويمارس ذلك أمام أبنائه كيف يمكن أن يوجه أبناءه، والأم التي لا تلتزم بالضوابط الشرعية كيف ستوجه أبناءها، وكذلك الموظف الذي لا يعرف في قاموسه إلا راجعنا غداً، أيضا العلماء، يجب أن ألا يتصدر الفتوى إلا الراسخون والمؤهلون، وكذلك المعلمون، فالمعلم يجب عليه التركيز على الاعتدال والوسطية ومحاربة الغلو والتطرف”.
وأضاف: “يجب إبراز النماذج المضيئة في تاريخ بلادنا بدءاً بالمؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله الذي يعد قدوة للجميع، ثم أبناؤه البررة الذين ساروا على خطواته، يجب إبراز هؤلاء وكذلك العلماء والمثقفون الراسخون الذين يسيرون على المنهج الصحيح”.
ودعا “السديس” إلى إصدار موسوعة تحمل كل مضامين القدوة وتتشارك فيها كل الجهات الحكومية والشرعية لتصدر بشكل كامل وموضحة كل ما يتعلق بكيف نكون قدوة. مشيراً إلى أن “بلادنا أنموذج مشرف للقدوة الحسنة وستتهادى سهام الأعداء على صخرة القدوة وأمام اللحمة الوطنية التي يعيشها بحمد الله هذا البلد.”
واستهل مدير الأمن العام، الفريق عثمان المحرج، حديثه بقوله: “لست مثقفًا ولا أديباً لأجاري المبدعين في الحديث، لكنني رجل أمن شرفه الله ثم قيادته بأن يكون مديرًا للأمن العام”.
وأكد في خطابه الذي خص به رجال الأمن على أهمية التعامل بالحسنى مع الناس في كل مكان حتى المخالفين، واستخدام الأسلوب الجيد والابتسامة في التعامل في كل أمر بما لا يتعارض مع الحسم والحزم الذي يتطلبه العمل الأمني”.
وأضاف: “يجب أن يكون رجل الأمن قدوة في مظهره وجوهره بالاستقامة في سلوكه، فلا يطالب الناس بالالتزام بالسلوك ويقوم بعكسه”.
وتابع “المحرج”: “هذا الحديث لا يعني أن ذلك منتشراً بين رجال الأمن، لكن نحن نتعامل بشفافية، ونستاء عندما تصلنا أي شكوى ضد أي رجل أمن، وأهون لدينا أن تكون مبالغ فيها أو غير صحيحة”.
وتابع الفريق “المحرج”: “دائمًا أقول لرجال الأمن في أي قطاع إذا أوقفت أي مخالف فعليك بالنزول إليه لأن ذلك أفضل أمنياً وأخلاقياً وابدأ بالسلام وأعطه مخالفته بكل تعامل حسن”.
وأكد “المحرج” على جاهزية خطط الأمن لموسم العمرة واستعداد رجال الأمن الكامل على مدار الساعة للتضحية بأنفسهم لحماية كل شبر في هذا الوطن الغالي”.
وفتحت أبواب المداخلات، حيث أكد الدكتور مدير فرع وزارة العدل في منطقة مكة، عبدالله الحريري، نجاح هذا المشروع في قطاعه، مؤيداً إصدار موسوعة القدوة، ومؤكداً استعداده لتقديم كل ما لديه من معلومات وجهود للمشاركة في هذا المشروع والعمل.
واستشهد الكاتب الصحافي، الدكتور علي الموسى، بقصة خلال دراسته في أمريكا وحصول سعوديين مبتعثين حينها على تكريم من جامعتهم؛ لأنهم الأفضل أمنيًا، وعدم تسجيل أي قصة أو مخالفة أمنية ضدهم كسعوديين فترة تواجدهم.
وأضاف: “قصة أخرى عندما كنت في الحد الجنوبي شاهدت جميع أبطالنا يتعاملون بتقدير كبير مع أحد القيادات وبشكل واضح، وعندما سألت أخبروني أنه يحرص على أن ينوب عن أحدهم كلما تواجد في مكان القتال، ويقوم بعمله كأي فرد منهم ويصر على ذلك”.
و قدَّمت الكاتبة منى خوجة، إهداء لأمير منطقة مكة المكرمة، عبارة عن كتاب شاركت به في المنافسة على جوائز المبادرات الفردية يتحدث عن الملك عبدالعزيز وملوك السعودية كقدوة والأمير خالد الفيصل الأمير القدوة.
واستأذن أحد المعلمين -والذي يعمل إمامًا لأحد المساجد- أمير منطقة مكة المكرمة في تأليف كتاب عن كيف نكون قدوة، ويكون هذا هو العنوان، فرد عليه الأمير “بل أطالبك بذلك”.
ورداً على بعض المقترحات أكد مستشار خادم الحرمين الشريفين، على أن “جميع الاقتراحات والمنجزات في ملتقى مكة الثقافي سيتم دراستها من قبل لجان متخصصة بنهاية الموسم، وسيتم الاستفادة منها والتجاوب مع كل ما يمكن التجاوب معه”.
وقال الأمير خالد الفيصل في تعليق على قصة رواها أحد الحضور عن الملك فيصل “تحدثت عن فيصل وأولئك رجال لن يتكرروا”.