تُعرّف القيادة بالقدرة على تحفيز وإثارة اهتمام مجموعة من الأفراد، وإطلاق طاقاتهم نحو تحقيق الأهداف المنشودة بكلّ فعالية وحماس، كما يُمكن تعريف القيادة بأنّها القدرة التي يتميّز بها القائد عن غيره بتوجيههِ للآخرين بطريقةٍ يتسنّى بها كسب طاعاتهم واحترامهم وولائهم، وشحذ هممهم، وخلق التعاون بينهم في سبيل تحقيق هدف بذاته.
والقيم والولاء لمنظمة ما تأتي؛ نتيجة الأفكار والمبادرات الجيدة التي أطلقها وتَمَثّلها أناس مبدعون، وحولوها بالإرادة والعزيمة والعمل المتفاني إلى حقيقة وواقع تقود الناس لتحقيق الأهداف.
ومهارات القيادة تتجسد في نموذج قيادي وقدوة متفاعلة تتصف بالعديد من الصفات التي تيسر الوصول بالمنظمة إلى أهدافها العليا.
وفي القرآن الكريم إشارات صريحة وضمنية لمهارات القيادة الفعّالة، فهذه بلقيس ملكة سبأ عندما وصلها كتاب من النبي سليمان فوجدته على عرشها، فأول ميزاتها القيادية هي الاتزان الانفعالي فأخذت الأمر على محمل “الجدية والرويّة” وهاتين صفتين يتضمنها الاتزان الانفعالي نادرًا تجتمع في قائد (أن يأخذ الأمر بجدية ورويّة) فذكر الله على لسانها: {يا أيها الملأ إني ألقي إليّ كتابٌ كريم} وهذه الصفة الثانية “الشورى” فجمعت بشكل عاجل مستشاريها للتشاور حول هذا الأمر الكبير، ثم وصفته بالكتاب الكريم وهذه صفة ثالثة “الأدب الجَمّ” مع الطرف الآخر، والذكاء منها في أنه كتاب كريم لأنه وصلها بطريقة كريمة لا تصدر إلا من كريم وصاحب رفعة وشأن كبير، كذلك لم تتكبر رغم أنها ملكة ولديها جيش قوي، فآثرت المشاورة والتروي، فذكر الله في آية أخرى {ألا تعلو عليّ وأتوني مسلمين} هنا تتضح الصفة الرابعة “الذكاء التحليلي” وانتباه وإدراك عقلي من ملكة سبأ باستنباطها وتحليلها للموقف بأنه خطاب من رجل كريم لا يطلب دنيا زائفة لكن لديه شيء أكبر ورسالة أرقى للدخول في الدين الإسلامي، فعرفت أنه لا يطلب ممتلكات، ففهمت ملكة سبأ ضمنيًا من الطرف الآخر بإشارته لقوة كبيرة جاهزة للسحق حال الرفض ولديه الرأفة حال القبول، ثم ذكر الله على لسانها {قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمرًاحتى تشهدون} وهذه الصفة الخامسة “إعطاء القدر للشركاء والمجموعة” فقالت لن أصدر قرار حتى تكونون معي فيه، فذكر الله: {قالوا نحن أولو قوةٍ وأولو بأسٍ شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين} فكان شور المستشارين باستخدام القوة ولكن كان لديهم أيضًا أدب مع الملكة{والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين} لكن ملكة سبأ كان لديها بُعد نظر وحكمة واتزان وتفكر بطريقة أخرى ولديها دراية بأن الطرف الآخر أقوى مما يتصور مستشاريها، ولديها استشراف للمستقبل وتنبؤ بعواقب الأمور وهذه الصفة السادسة {قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون} ثم تتضح لدينا الصفة السابعة وهي “المبادرة واستمالة الطرف الآخر وكسبه” {وإني مرسلةٌ إليهم بهدية فناظرةٌ بمَ يرجع المرسلون} وهذا ذكاء اتصالي على مستوى رفيع فبإرسال الهدية ضمنت عدة أمور:
١/ البدء ببناء علاقة إيجابية.
٢/ الهدية قد تغير مجرى الأحداث المتوقعة.
٣/ إدارة الوقت لصالحها وأخذ وقت ومساحة للتفكير ريثما تصل الهدية ويتم الرد.
٤/ المبادرة البناءة ومد جسور التواصل.
وهنا يظهر بعض صفاتها وحكمتها بحفظ مملكتها وشعبها من التدمير والخراب ويظهر قدرتها على قبول الحق فأسلمت وأنقذت نفسها وقومها من عذاب الآخره فهي مبدعة ومتوهجة الأفكار ومتقدة العقل ونافذة البصيرة وصاحبة رؤية إستراتيجية بعيدة المدى.
ومن أهم النظريات التي استخدمتها ملكة سبأ نظرية (القيادة التحويلية) وهي قيادة تسعى إلى رفع مستوى العاملين لتحقيق الإنجاز والتنمية وتستثير الهم العالية لتحقيق أهداف المنظمة، والوعي بالقضايا الرئيسة في الوقت الذي ترفع من ثقتهم بأنفسهم وتعزز الانتماء والولاء. (الهواري، ١٩٩٩م)، وهذا النوع من القيادة يتجاوز فيه تقديم الحوافز مقابل الأداء إلى تطوير وتشجيع المرؤوسين فكريًا وإبداعيًا، وتحويل اهتماماتهم الذاتية لتكون جزءًا أساسيًا من الرسالة العليا للمنظمة. (Conger, 1999)
كذلك يظهر قدرتها على القيادة الموقفية بحنكة ودهاء والتعامل مع الموقف مع ما يتطلبه بسرعة ومرونة واستخدام كل المقومات الشخصية والعقلية والاجتماعية والمستشارين لإدارة الموقف وقيادته نحو الحل السليم.
ففي هذه القصة العظيمة التي يذكرها لنا الله سبحانه عناصر مهمة للقيادة منها (الشورى/إعطاء المرؤوسين القيمة وحرية الفكر/إدارة الوقت بفاعلية أثناء الأزمات/إدارة الأولويات/التركيز على النتائج/التعرف على نقاط القوة والضعف).
ومن ضمن إشارات القرآن الكريم لمهارات القيادة قصة ذي القرنين ففيها إشارات قرآنية رائعة في القيادة وأسسها فقال تعالى:
{إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍأَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: 94-95].
فتتضح أسس القيادة في مهارات عملية في هذه الآيات منها:
-القدرة على تحديد المشكلة والبدء بخطوات عملية للحل.
-الثقة بالآخرين {فأعينوني بقوة} ثقة متبادلة صادقة بين الرئيس والمرؤوس.
-براعة في التخطيط لمستقبل ونتائج أفضل. {اجعل بينكم وبينهم ردما}
_القدرة على الاستماع وإدارة الاجتماعات وإدارة وفهم المخاوف للمرؤوسين. {قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون فيالأرض…} استمع وتفهم مخاوفهم ولم ينقدهم وعاجل وبادر بوضع الحلول التي تضمن أمنهم وسلامتهم.
-الاتزان الانفعالي والقوة العقلية والحكمة والهدوء والاستعانة بالله للقائد وثقته بنفسه، فوضح ذي القرنين المقومات وما مَنَّ الله عليه من إمكانيات كثيرة فأشاع جوًّا من الطمأنينة وهيأهم لقبول التعليمات وتنفيذها {قال ما مكني فيه ربي خير}
_احترام عقول المرؤوسين والعفو عن زلاتهم فلم تثر حفيظة ذي القرنين عرضهم عليه مقابل {فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدًا} لأنه مُمَكّن في الأرض وصاحب جاه وسلطان ومع ذلك يعرضون عليه مقابل، بل رد {ما مكني فيه ربي خير}
-القدرة والحكمة في اختيار البدائل المتاحة وهي إقامة السد.
_القدرة على تكوين فرق العمل وإدارتها بفعالية. {أعينوني} {ءاتوني زبر الحديد}
_إنكار الذات والتواضع للقائد. {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: 95
-وضع معايير عالية لتقويم الأداء. {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97]. إن القرآن الكريم، يعلمنا أن كل عمل يعمله الإنسان، لابد أن يكون مؤديًا للغرض الذي عُمِل من أجله.
_ القادة يجب أن يكونوا قادة تغيير إلى الأفضل أراد ذلك ذو القرنين فحول هذه الأمة من أمـة تشتري سلامتها إلى أمـة تصنع سلامتها، ومن شعب متكاسل إلى فِرَق عمـل متعاونة تستعد بجدٍّ لتحقيق أمنهـم، من خلال إنجـاز مشروعهم الضخـم، فأكسبهم قيمًا جديـدة تمثلت في حب العمل، الثقـة في النفس، إدارة أنفسهم وأعمالهم ذاتيًا، الكشف عن مصادر ثرواتهم، اكتساب مهارات جديـدة، معرفة تكنولوجيـا جديـدة، تقدير قيمة الوقت، بث روح التعـاون بينهم، اكتساب قيم وأخلاقيات جديـدة تنبع من إيمان هذا القائـد العظيـم.
ولو تأملنا في التاريخ القريب نجد أن الشخص القائد المبادر على بصيرة وشجاعة ونية صادقة للخير والحق يوفقه الله ويسدد مبادرته ويحميه من أي عواقب، فهذا فيصل بن عبدالعزيز بن لبده عندما كان يعمل في الحرم عام ١٤٠٧هـ وعندما قام بعض المخربين بإحداث عرقلة وفوضى بالحرم ووسط تحلي القوات السعودية بضبط النفس وحرص على سلامة الحجاج؛ إلا أن الأمر تطور لضرر واضح ببعض الجنود فبادر فيصل بن لبده وأصدر قرار بضبط الوضع بالقوة وإنهاء كل فوضى وقال مقولته الشهيرة (ابن سعد خلجت أم اللاش) فأنهى وجود المخربين وأعطى قواعد واضحة تاريخية ومستقبلية لمن يريد إشاعة الفوضى في بلاد الحرمين، فما كان من الملك عبدالله رحمه الله الذي كان رئيس الحرس الوطني آنذاك إلا بترقيته إلى مقدم وعدم مساءلته عسكريًا ومنحه نوط الشجاعة والإقدام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*دكتوراة في فلسفة التربية
- 24/12/2024 نائب أمير مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية
- 17/12/2024 سمو ولي العهد يرأس جلسة مجلس الوزراء .. ويصدر عددًا من القرارات
- 11/12/2024 تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. نائب أمير مكة يفتتح أعمال الملتقى العلمي الـ 24 لأبحاث الحج والعمرة والزيارة
- 10/12/2024 بتوجيه من أمير المنطقة .. نائب أمير مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية
- 08/12/2024 الأمير سعود بن جلوي يُدشّن الكلية التطبيقية بجامعة جدة وفروع الكلية بمحافظتي خليص والكامل
- 04/12/2024 سمو ولي العهد يطلق الإستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر
- 03/12/2024 نائب أمير مكة يدشن منصة مقرأة جامعة أم القرى الإلكترونية
- 03/12/2024 نائب أمير مكة يشهد توقيع مذكرة تعاون بين إمارة المنطقة وجامعة الطائف
- 02/12/2024 نائب أمير مكة يُدشّن مشروعات جديدة للهلال الأحمر ويطّلع على منجزات خدمة ضيوف الرحمن
- 01/12/2024 سمو ولي العهد يصل إلى دولة الكويت
آخر الأخبار > مهارات القيادة من منظور إسلامي
16/03/2022 5:12 م
مهارات القيادة من منظور إسلامي
بقلم / د. موسى عبدالمعين القرني
بقلم / د. موسى عبدالمعين القرني
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.mnbr.news/296826.html