أم المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بليلة فتحدث في خطبته الأولى عن اللسان فقال: لله في مخلوقاته أسرارٌ وحِكَم، وفي مَصنوعاتِه عِظاتٌ وعِبَر، ناطقاتٌ بعَظَمةِ الخَلْق، وشاهداتٌ على حِكمةِ التقدير، التدبُّرُ فيها يُثمِرُ اليقين، ويَزيدُ العلم، ويُقوِّي الإيمان.
وإن من تلكم المخلوقاتِ الباهرات، والآياتِ النيِّرات: اللسانْ، اللسانْ! آلةُ النُّطق، وأَداةُ البيان، والشاهدُ عن الضمير، والتُرجُمانُ للفؤاد.
به يُرَدُّ الجواب، ويُفصَلُ الخِطاب، وتُدرَكُ الحاجاتُ والطِّلابْ، فما أعظمَهُ من نِعمة، وما أكرمَهُ من قِسمة.
حَدُّهُ عظيم، وخطرُهُ جسيم؛ وأثرُهُ عميم، يَرقى به المَرءُ دَرَجاتِ العِزِّ والفَخار، أو يَهويِ في دَرَكاتِ العَطَبِ والبَوار.
إن اللسانَ صغيرٌ جِرْمُهُ ولهُ جُرْمٌ كبيرٌ، كما قِيلَ في الأثر، قال المصطفى ﷺ: (إن العبدَ ليتكلمُ بالكلمةِ ما يَتبيَّنُ ما فيها، يَهوي بها في النار أبْعَدَ ما بين المشرق والمغرب) أخرجه البخاري ومسلم، وقال عليه الصلاةُ والسلام: (وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم أو قال على مَناخِرِهم إلا حصائدُ ألسنتهم؟) وسُئل عليه الصلاةُ والسلامُ عن أكثرِ ما يُدخِلُ الناسَ النارَ فقال: (الفَمُ والفَرج) أخرجهما الترمذي، قال يحيى بنُ أبي كثيرٍ رحمه الله: (ما صَلَحَ مَنطِقُ رجلٍ إلا عُرِفَ ذلك في سائرِ عَملِه، ولا فَسَدَ مَنطِقُ رجلٍ إلا عُرِفَ ذلك في سائرِ عَملِه).
وتحدث فضيلته عن آفة اللسان ومايحدث منه فقال: اللسانُ أمانةٌ عند الإنسان، ووديعةٌ مسؤولٌ عنها، وهو قابِلٌ لكلِّ ما يُعرَبُ به، ومائلٌ إلى ما يُمال إليه.
إن كلَّ كلمةٍ يَلْفِظُها الإنسانُ مُثبَتَةٌ عليه في كتابٍ لا يَضِلُّ ربي ولا ينسى ثم تُعرَضُ عليه يومَ العرضِ الأكبر؛ فإن كانت خيرًا فما أحَظاهُ وأهْناه، وإن كانت شرًّا فما أبْأسَه وأشْقاه.
قال عليه الصلاةُ والسلام: (مَن كان يؤمن بالله واليومِ الآخر فلْيقُل خيرًا أو ليصمُت) أخرجه البخاريُّ ومسلم.
إنها حُلَى اللسان، وتُحَفُ البيان، تنفُذُ إلى القلوبِ قبل الآذان، تعليمُ جاهل، وتنبيهُ غافل، وإرشادُ حائر، وبَذلُ نصيحة، وبثُّ خير، وإصلاحٌ بين الناس، وذكرٌ لله عزوجل.
واختتم فضيلته خطبته الأولى بنصح المسلمين بالحفاظ على اللسان وماينطقه فقال : إنَّ على العبد أن يكون قَوَّامًا على لِسانِه، حارسًا له من آفاتِه بِسِنانِه، وأخطرُها وأشنعُها: القولُ على الله تعالى بغير علم، كالقولِ بلا علمٍ في أسمائِه وصفاتِه وأفعاله، ووصْفِه بضِدِّ ما وَصَفَ به نفسَه أو وصَفَهُ رسولُهُ ﷺ، أو تحليلِ ما حرَّم، أو تحريمِ ما أحلّ، أو الخوضِ في شَرعِه بلا عِلم ولا هُدى.
ومن آفاتِ اللسانِ وحَصائدِه: السخريةُ والغيبة، والكذبُ والنميمةُ والبُهتان، واللَّعْنُ والسِّباب ، (إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار) (لا يدخل الجنة نمام) (كلُّ المسلمِ على المسلم حرام، دُمُهُ ومالُه وعِرضُه) (ومَن لَعَن مؤمنًا فهو كقتْلِه) (وسِبابُ المسلمِ فُسُوق) (والمسلمُ مَن سَلِم المسلمون مِن لسانه ويده).
تِلكُمْ آيُ الهُدى، وذاكُمْ كلامُ خيرِ الورى، دامَ نفعُها أبَدا، ما نجمٌ في السماء بَدا، وما تلقاها عبدٌ بالرضا والتسليم.
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن حفظ اللسان وأن الصمت منجاة فقال : واعلموا أنَّ مَن حَفِظَ لسانَه أراحَ نَفْسَه، وأنَّ مَن صمت نجا، كما أنَّه يُكسِبُ المحبة، ويُورِث الوَقار، ويُسبِغُ على صاحبه الهيبة، وهو أمَانٌ من تحريف اللفظ، وعِصمةٌ من زيغِ المَنطِق، وسلامةٌ من فُضولِ القول، وعِبادةٌ من غير عَناء.
قال الإمامُ النوويُّ رحمه الله: (اعْلَمَ أنه ينبغي لكُلِّ مُكلَّفٍ أن يحفظَ لسانَه عن جميع الكلام، إلا كلامًا ظَهَرتْ فيه المصلحة، ومتى استوى الكلامُ وتركُه في المصلحة فالسُّنةُ الإمساكُ عنه؛ لأنه قد يَنْجَرُّ الكلامُ المباحُ إلى حرام أو مكروه، وذلك كثيرٌ في العادة، والسلامةُ لا يَعْدِلُها شيء).