وصفت صحيفة ”نيويورك تايمز“ الأمريكية قرار شركة ”فيسبوك“ بتغيير اسمها إلى ”ميتا“ بأنه ”عملية هروب أرادها مؤسسها ورئيسها مارك زوكربيرغ، طريقةً لإخراج نفسه من حاضر فوضوي مضطرب، بهدف الاستحواذ على أرضية جديدة بعيدة عن الواقع الافتراضي الملوث“، على حد تعبيرها.
وقالت الصحيفة في تقريرها إنه في حال نجح الأمر، والنجاح هنا غير مضمون، فإن ”ميتافيرس“ زوكربيرغ سيفتح حقبة جديدة من الهيمنة من شأنها توسيع تأثير فيسبوك ليشمل أنواعًا جديدة تمامًا من الثقافة والتواصل الاجتماعي والتعاملات التجارية.
وبحسب التقرير، فإنه في حال لم يتحقق ذلك، ستصبح محاولة زوكربيرغ مجرد ذكرى يائسة ومكلفة لإضفاء لمسة مستقبلية على شبكة اجتماعية أضحت خاصة بكبار السن، مع توجيه الانتباه بعيدًا عن المشكلات المجتمعية الملحة“، مضيفة أن ”كلا الاحتمالين يستحقان الأخذ على محمل الجد“.
وكانت ”نيويورك تايمز“ تقيّم ما وصفته بحالة الغبطة التي ظهر بها زوكربيرغ الخميس الماضي في مؤتمر Connect الافتراضي، وهو يعلن تغيير اسم فيسبوك إلى ”ميتا“، بطموحات بناء بيئة للواقع الافتراضي المشترك ”ميتافيرس“ مراهناً على أن الشركة ستكون المنصة الكبرى في العالم.
وأشار التقرير، إلى أن ”تغيير العلامة التجارية لفيسبوك، هو في حقيقته إضفاء للطابع الرسمي على تحول استراتيجي كان جاريًا منذ سنوات، تمثل في بعض جوانبه بتوظيف أكثر من 10,000 شخص للعمل في مشاريع الواقع المعزز والافتراضي في قسم مختبرات الواقعية، إضافة لتوظيف 10,000 آخرين في أوروبا قريبًا، كما أعلنت الشركة، في وقت سابق أنها ستنفق هذا العام حوالي 10 مليارات دولار على الاستثمارات المرتبطة بالميتافيرس“.
وعرض التقرير مجموعة أسئلة قال إنها مطروحة لتقييم خطوة فيسبوك الاستراتيجية، وكان السؤال الأول الأساسي، ”ما هو الميتافيرس وكيف سيبدو إصدار فيسبوك ؟“.
وتمت الإجابة على هذا السؤال جزئياً خلال العرض الذي قدمه زوكربيرغ، إذ ظهر الميتافيرس ”عالماً افتراضياً نظيفاً ومشرقاً، تم إدخاله في البداية باستخدام أجهزة الواقع الافتراضي والمعزز، ثم لاحقاً بأجهزة استشعار الجسم الأكثر تقدمًا“.
ويمكن للمستخدمين في ذاك العالم ممارسة الألعاب، وحضور الحفلات الموسيقية، وتسوق السلع، وكل ذلك بشكل افتراضي، أي أنك ستجمع الفن الافتراضي، وتجالس الصور الرمزية الافتراضية للآخرين، وتحضر اجتماعات العمل الافتراضية.
وأفاد التقرير بأن رؤية العالم الرقمي الغامر ليست جديدة، فقد رسمها مؤلف الخيال العلمي نيل ستيفنسون منذ نحو 30 عامًا، لكن زوكربيرغ يراهن على مستقبل فيسبوك بأنه سيصبح حقيقيًا، قائلاً إن ميتافيرس سيكون ”خليفة للإنترنت عبر الهاتف المحمول“.
السؤال الثاني الذي طرحه التقرير هو، ”هل سينجح هذا ؟“، وكانت الإجابة أنه يستحيل القطع اليقيني بذلك، فشركة فيسبوك تعاني من بيروقراطية متثاقلة، حققت أكبر اختراقاتها في العقد الماضي عن طريق شراء تطبيقات منافسة أو نسخ ميزاتها، بدلا من تطوير أفكارها داخليًا، وهو ما يدعو للشك في قدرة فيسبوك على ابتكار عالم رقمي غامر يستطيع الناس بالفعل قضاء الوقت فيه.
السؤال الثالث الأكثر إثارة، بحسب التقرير هو: ”لماذا يقوم زوكربيرغ بهذا التغيير ؟“، فكان الجواب، أن زوكربيرغ يتصور بأن ”ميتافيرس“ الافتراضي، يمكن أن يساعد في حل مشاكل شائكة كبيرة يواجهها فيسبوك في العالم الأرضي.
ومن أول تلك المشاكل، بحسب التقرير، شيخوخة أعمال الوسائط الاجتماعية الأساسية في فيسبوك، حيث بدأ صغار السن من المستخدمين بالتخلي عن تطبيقات الشبكة وتطبيقات ”إنستغرام“ لصالح ”تيك توك“ و“سناب شات“. وهذا التحول سينعكس سلباً على العوائد الإعلانية.
ولفت التقرير إلى سؤال أو مشكلة أخرى يمكن أن تعالجها إستراتيجية ميتافيرس إذا نجحت، وهي مخاطر النظام الأساسي للمشروع كله، فطوال السنوات الماضية، كان زوكربيرغ منزعجاً من كون تطبيقات فيسبوك المخصصة للجوال تعمل على نظامي تشغيل iOS و Android، ما يجعل نجاحها يعتمد بشكل كبير على شركتي أبل وغوغل، واللتين غالبًا ما تتعارض أولوياتهما تمامًا مع أولويات فيسبوك، فإذا ظلت الهواتف الذكية الوسيلة المهيمنة على تفاعل المستخدمين، فلن يتحكم فيسبوك فعلياً بمصيره.
ويستذكر التقرير حديث زوكربيرغ عن الفوائد الإستراتيجية لميتافيرس منذ 2015 على الأقل، حينما كتب إلى مساعديه قائلاً: ”نحن بحاجة إلى النجاح في بناء كل من منصة وتطبيق لتحسين مكانتنا الاستراتيجية وفق نظام أساسي جديد لنا، وليس الحالي.
ويرى تقرير الصحيفة، أنه لهذا السبب انتقد زوكربيرغ شركتي أبل وغوغل، الخميس، بشكل غير مباشر، قائلاً إن حفاظهما على النظام الإيكولوجي لتطبيقات الأجهزة المحمولة كان ”يخنق الابتكار، ويمنع الناس من خلق أفكار جديدة، ويعيق اقتصاد الإنترنت بأكمله“.
وخلص تقرير ”نيويورك تايمز“ إلى أن ”ميتافيرس“ قد يحرر فيسبوك من تحكم غوغل وأبل به، ويعالج مجموعة من الإعاقات الهيكلية في الشركة، لكن مشكلة التشويه التي طالت سمعتها وصورتها أضعفت معنويات القوى العاملة في الشركة، وجعلت من الصعب عليها جذب الموظفين الموهوبين والاحتفاظ بهم.
يشار إلى أن فيسبوك أصدر بيانا، قال فيه إن تركيز ”ميتا“ سينصب على مساعدة الناس على التواصل والعثور على المجتمعات وتنمية الأعمال التجارية، إلا أن شيئاً لن يتغير في هيكل الشركة، لافتة إلى أنها تعتزم بدء التداول المالي تحت الاسم الجديد في الأول من ديسمبر/ كانون الأول المقبل.