يعاني موظفو ”أكسنتشر“، الشركة الرائدة في الاستشارات العالمية والتي تقدم خدمات مراقبة وتنقية محتوى ”فيسبوك“، من حالات نفسية لا تتوقف عند ”الاكتئاب“ و“القلق“ و“البارانويا“ وغيرها، ما حدا بهم إلى رفع دعاوى قضائية ضد أكسنتشر، بحسب تقرير لصحيفة ”نيويورك تايمز“ الأمريكية.
وانضم عامل لدى أكسنتشر في الولايات المتحدة الأمريكية إلى دعوى قضائية جماعية للاحتجاج على ظروف العمل التي اعتُبرت أنها ”مروعة“، ما دفع جولي سويت، الرئيسة التنفيذية للشركة المعينة حديثاً، إلى أن تطرح سؤالاً على كبار مديري الشركة عما إذا كان يتوجب الاستمرار بالأعمال والخدمات التي تقدمها الشركة لعميلها الرائد، فيسبوك، أم لا، وتوجه كذلك بمراجعة المخاطر الأخلاقية والقانونية التي تتعلق بسمعة الشركة، بحسب الصحيفة.
ومن خلال نوبات عمل تستغرق الواحدة منها ثماني ساعات، عمل الآلاف من الموظفين والمتعاقدين بدوام كامل على فرز أكثر منشورات فيسبوك ضرراً، بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو والرسائل حول حالات الانتحار وقطع الرؤوس والأفعال الجنسية، في محاولة لمنعها من الانتشار عبر الإنترنت.
وفي اجتماع عقد بمكتب أكسنتشر في واشنطن، أعربت سويت وإلين شوك، رئيسة الموارد البشرية، عن مخاوفهما بشأن الخسائر النفسية للعمل لصالح فيسبوك والأضرار التي لحقت بسمعة الشركة.
وجادل بعض المديرين التنفيذيين الذين تولوا الإشراف على حساب فيسبوك، أن المشاكل يمكن التحكم فيها وقالوا إن شبكة التواصل الاجتماعي كانت مربحة للغاية بحيث لا يمكن أن خسارتها كعميل وانتهى الاجتماع وقتها دون حل.
وقالت الصحيفة إن فيسبوك وأكسنتشر نادراً ما تحدثتا عن عملهما المشترك، لكن علاقتهما السرية كانت تمثل جزءا من جهود أكبر شركة وسائط اجتماعية في العالم في سبيل الابتعاد عن الجزء الأكثر خطورة في أعمالها.
ولسنوات، خضع موقع فيسبوك للتدقيق بسبب المحتوى العنيف والكراهية التي تدفقت عبر موقعه، حيث تعهد مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي، مرارًا وتكرارًا بتنظيف المنصة وشجع استخدام الذكاء الاصطناعي للتخلص من المنشورات السامة كما وظف آلاف العمال لإزالة الرسائل التي فشل الذكاء الاصطناعي في محوها.
لكن وراء الكواليس وظف فيسبوك منذ عام 2012 ما لا يقل عن 10 شركات استشارية وتوظيف على مستوى العالم للتدقيق في محتوى المنشورات، جنبًا إلى جنب مع شبكة أوسع من المقاولين من الباطن، وفقًا لبيانات وردت عن مقابلات وسجلات عامة.
ونقلت الصحيفة عن صحيفة تايمز البريطانية أن أكسنتشر تولت العمل مع فيسبوك بعقد لإدارة المحتوى وخدمات أخرى بقيمة لا تقل عن 500 مليون دولار سنويًا، ويمثل موظفو أكسنتشر أكثر من ثلث عدد الموظفين المقدر بـ15,000 موظف عينتهم فيسبوك للتفتيش على المنشورات.
ورغم أن الاتفاقيات توفر جزءًا صغيرًا فقط من الإيرادات السنوية لأكسنتشر، إلا أنها تمنحها شريان حياة مهمًا في وادي السيليكون. ويعرف فيسبوك لدى أكسنتشر بالعميل الماسي.
وتابعت الصحيفة بالقول، إن أكسنتشر استوعبت أسوأ جوانب الإشراف على المحتوى في فيسبوك، وكتكلفة واجهت الشركة قضايا الصحة العقلية للعمال من خلال مراجعة المنشورات وصراع النشاط العمالي للمطالبة بزيادة الأجور والمزايا.
وأوردت الصحيفة قول كوري كريدر، أحد مؤسسي Foxglove، وهي شركة محاماة تمثل منسقي المحتوى: ”لا يمكن أن يكون لديك فيسبوك كما نعرفه اليوم دون أكسنتشر. توظيف الشركات المساعدة مثل أكسنتشر مقابل رسوم مذهلة، سمحت لـفيسبوك بالتعامل مع مشكلة جوهرية لأعمالها بسهولة.“
المنشورات الإباحية
يعود جزء كبير من عمل فيسبوك مع أكسنتشر إلى مشكلة العُري.
وقالت الصحيفة إنه في عام 2007، انضم ملايين المستخدمين إلى الشبكة الاجتماعية كل شهر ونشر العديد منهم صورا عارية. وطالبت التسوية التي توصل إليها فيسبوك في ذلك العام مع أندرو كومو الذي كان النائب العام لنيويورك حينها، لإزالة المنشورات الإباحية التي تم الإبلاغ عنها من قبل المستخدمين في غضون 24 ساعة.
ولذلك كان حجم العمل طاغيا، ما دفع شيريل ساندبرج، رئيس العمليات في الشركة، ومسؤولين تنفيذيين آخرين لإيجاد حلول آلية لتمشيط المحتوى.
وبحلول عام 2011، كانت فيسبوك تعمل مع oDesk، وهي خدمة تجند أشخاصا مستقلين لمراجعة المحتوى.
ولكن في عام 2012، بعد أن أفاد موقع Gawker الإخباري بأن عمال المكتب في المغرب وأماكن أخرى يتقاضون رواتب أقل من دولار واحد في الساعة مقابل العمل، بدأت فيسبوك في البحث عن شريك آخر، واستقرت بعدها على التعامل مع أكسنتشر.
وحصلت أكسنتشر في عام 2010 على تعاقد مع فيسبوك توسع ليشمل صفقة لتعديل المحتوى، لا سيما خارج الولايات المتحدة في عام 2012.
غرير العسل
وقالت الصحيفة إن حجم فريق أكسنتشر تضاعف بسرعة، فبحلول عام 2015، أسس مكتب أكسنتشر في منطقة خليج سان فرانسيسكو فريقًا، يحمل الاسم الرمزي ”غرير العسل“، لتلبية احتياجات فيسبوك فقط، نقلا عن موظفين سابقين، وانتقلت أكسنتشر من توفير حوالي 300 عامل في عام 2015 إلى حوالي 3000 عامل في عام 2016.
وقال مسؤولون تنفيذيون إن الشركة سرعان ما استثمرت عملها مع فيسبوك في ابرام عقود مع يوتيوب وتويتر وبينترست وغيرها.
وبعد أن اكتشفت السلطات الفيدرالية في عام 2016 أن عملاء روسا استخدموا فيسبوك لنشر منشورات مثيرة للانقسام للناخبين الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية، زادت الشركة من عدد مراقبي المحتوى.
وأضافت الصحيفة أن عمل مراقبة المحتوى كان صعبا، لأنه في حين إن أكثر من 90 في المئة من المواد المرفوضة التي تأتي عبر فيسبوك وإنستغرام تتم إزالتها بوساطة الذكاء الاصطناعي، إلا أن الموظفين المتعاقدين من الخارج كان عليهم اتخاذ قرارات بشأن المنشورات التي لا يتعرف عليها الذكاء الاصطناعي.
ويحصل الموظفون على تقييمات أداء تستند إلى مراجعة المشاركات بشكل صحيح وفقًا لسياسات فيسبوك، وإذا ارتكبوا أخطاء تعادل أكثر من 5 في المئة، فيمكن طردهم من العمل.
وعدل فيسبوك تقنية تعديل المحتوى الخاصة به، مضيفًا اختصارات لوحة مفاتيح جديدة لتسريع عملية المراجعة ولكن في بعض الأحيان كان يتم إصدار تحديثات على ذلك دون سابق إنذار، ما أدى إلى زيادة الأخطاء.
واعتبارا من مايو، أصدرت شركة أكسنتشر فاتورة تطالب فيسبوك بمقابل عمل ما يقرب من 1900 وسيط متفرغ في مانيلا؛ 1300 في مومباي، الهند؛ 850 في لشبونة؛ 780 في كوالالمبور، ماليزيا؛ 300 في وارسو؛ 300 في ماونتن فيو، كاليفورنيا؛ 225 في دبلن؛ و135 في أوستن، تكساس، وفقًا لسجلات التوظيف التي استعرضتها صحفية ذا تايمز.
التكاليف النفسية
وأضافت الصحيفة أن موظفي أكسنتشر بدؤوا بالتشكيك في أثار مشاهدة المنشورات البغيضة، حيث استأجرت أكسنتشر مستشاري الصحة العقلية للتعامل مع التداعيات.
ونقلت الصحيفة عن إيزابيلا دزيوجيل، المستشارة التي عملت في مكتب أكسنتشر في وارسو، أنها أبلغت المديرين في عام 2018 أنهم يوظفون أشخاصًا غير مهيئين لفرز المحتوى، حيث تعامل مكتبها مع منشورات من الشرق الأوسط، كانت من بينها صور ومقاطع فيديو مروعة للحرب السورية.
وقالت السيدة دزيوجيل، التي عالجت الجنود المصابين باضطراب ما بعد الصدمة، إن الشركة ”كانت توظف أي شخص“، حيث تركت الشركة في عام 2019.
وفي دبلن، قال أحد مشرفي شركة أكسنتشر الذي فحص محتوى فيسبوك، إنه ترك رسالة انتحار على مكتبه في عام 2018، فحسبما قال مستشار الصحة العقلية الذي شهد تلك الأزمة، إنه تم العثور على العامل بأمان.
وتابع بأن جوشوا سكلار المشرف في أوستن، والذي استقال في أبريل/نيسان، قد قال إنه راجع ما بين 500 و700 مشاركة، بما في ذلك صور جثث بعد حوادث السيارات ومقاطع فيديو لحيوانات يتم تعذيبها.
وأضاف أن العمال في أكسنتشر الذين كانوا يتخطون سلاسل القيادة في الشركة ويتواصلون مباشرة مع فيسبوك كانوا يتعرضوا للتوبيخ، وقال إن هذا جعل فيسبوك أبطأ في التعرف على المشكلات والتعامل معها.