صدق الشاعر حين قال:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه.. تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
يتعرض الإنسان في يومه وليلته، في سفره وترحاله، في رحلة ترفيه أو رحلة عمل، برًا أو بحرًا أو جوًا، يتعرض لبعض المواقف وليدة اللحظة دون سابق تنبيه أو إنذار، منها السار الجميل، ومنها المزعج المحرج الذي تأباه النفس وتنكره المشاعر، وتقشعر له الأبدان.
إحدى الطالبات تدعى ياسمين صبح تحكى موقفًا محرجًا تعرضت له، وكان بطل الموقف رواية “الأيام” الشهيرة للعملاق الراحل طه حسين، وحدث أن طلب منهم أحد الأساتذة المعني بتدريس اللغة الإنجليزية فى سنة الإعدادى هندسة كتابة رأيهم فى تقرير عن كتاب قرأوه وأعجبهم، فتحكى الطالبة ياسمين أنها جهزت تقريرًا فى ثلاث ورقات عن كتاب الأيام لطه حسين، ووقت تسليم التكليف المطلوب منها اكتشفت أنها أحضرت ورقة واحدة فقط وتركت الآخرين فى المنزل، ولسوء حظها يختارها الدكتور ما بين كل الطلاب عشوائيًا لتقرأ البحث الخاص بها أمام زملائها مستخدمة الميكرفون وتقول: “أنا من كثر الإحراج حسيت فيه نار فى وشى.. طبعًا معرفش القدرة الإلهية جات منين.. وأمسكت المايك وقرأت الجزء الذي معي والدكتور يقول كويس، كملى وأنا ما أقدر أكمل الورقة خلصت.. رحت اقرأ من الأول ثانى.. بس كل مرة بفوت سطر.. وأعيد عدة. قرأت الورقة يمكن ثلاث مرات ولا أحد فاهم حاجة في أي حاجة.. طبعًل الدكتور قال لي ممتاز، وأنا كنت من الضغط والإحراج سامعة جميع العمليات البيولوجية فى جسمى من ضخ دم لنبضات القلب لكل حاجة”.
ويقول أحد المسافرين عبر الخطوط الحديدية: “في أحد الأيام وفي إحدى رحلاتي عبر القطار كان مقعدي أمام الشباك وهي من الصدف السعيدة بالنسبة لي؛ لأنني سأمتع عيني بالمناظر الجميلة أثناء رحلتي، وأثناء وقوف القطار في إحدى المحطات لم أخرج مع بقية المسافرين، بل مكثت في مكاني، وفجأة مر بجواري بائع بطيخ، وأنا أتجاذب معه الحديث بدأ القطار يتحرك، بسرعة أخذت البطيخة وناولته النقود، ولكن المفاجأة التي لم أحسب لها حسابًا أن البطيخة لم تمر من نافذة القطار، فبقيت ممسكًا بها خارج الشباك طوال الرحلة التي استمرت أربع ساعات.. موقف يعد درسًا قاسيًا من دروس الحياة التي لن أنساها.
وهذه المواقف وأمثالها قد يتعرض لها أي أحد، بل قد تكون أقسى وأمر منها؛ ولتخفيف وطأة المواقف المحرجة علينا ألا نبالغ في الخوف من تقييم الناس لنا، ونغير الموقف ونحول الانتباه عنا، ونلتزم الهدوء، ونلجأ إلى المزاح والتعامل بمرح مع الآخرين، وعلينا مواجهة المشكلة وحلها، وأن ندرك كل الإدراك أنه لا توجد عصا سحرية يمكنها حمايتنا من التعرض للإحراج، ولكن ينبغي علينا التعامل بثقة مع جميع الحالات المحرجة التي قد نتعرض لها، وهذا يجعل حياتنا أكثر تفاؤلًا وأنقى سعادة.