قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. عبدالباري بن عواض الثبيتي – في خطبة الجمعة – : من النظر في مآلات الأمور كون الحج هذا العام استثنائيا بأعداد محدودة وضوابط مشروعة في ظل جائحة عما ضررها وطم وباؤها , وهذا القرار الحكيم الذي أخذت به القيادة في المملكة العربية السعودية من أولى الأولويات , ويتسق مع مقاصد الشريعة , ويصب في مصلحة المسلمين بالمحافظة على الأنفس ودفع ما يعرضها للخطر المحقق أو الغالب على الظن , والتحلي بالحذر عند انتشار الأوبئة والأمراض المعدية.
وأضاف : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان إلى مشركي قريش برسالة الإسلام وهي السلام وليس العدوان وأخبرهم أنا لم نأت لقتال أحد , وأنهم جاؤوا زوارا للبيت معظمين لحرمته والطواف به فأبوا ودارت مفاوضات بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشركي قريش , استعمل معهم فيها الرفق في الأمور والمداراة فيما لا يلحق الدين ضرر , ولا يبطل معه لله سبحانه وتعالى حق , وقال صلى الله عليه وسلم : ” والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ” , غلب رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مصلحة حقن الدما وسلامة الأنفس والأرواح , ونظر في مآلات المواقف والأمور والمقاصد والغايات , فقد كان بمكة في الحديبية جمع من المؤمنين والمستضعفين رجالا ونساء وولدانا فلو دخل الصحابة مكة , ووقعت حرب لما أمن أن يصاب منهم , وقد ظهرت ثمار الصلح الباهرة وفوائده الظاهرة التي كانت عاقبتها فتح مكة وإسلام أهلها ودخول الناس في دين الله أفواجا.
وقال : سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تضيء لنا دروب الحياة , ومن صفحات السيرة العطرة صلح الحديبية بدروسه وأحداثه , سماه الله عز وجل الفتح المبين, قال الله تعالى : ” إنا فتحنا لك فتحا مبينا ” , استبشر الصحابة برؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم سيدخلون مكة ويطوفون بالبيت , قال تعالى : ” لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون ” , وانطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم ألف وأربعمئة معتمر متأججة مشاعرهم متلهفة عواطفهم , آمين البيت الحرام بعد انقطاع سنوات عن تلك البقعة المباركة التي تهفو إليها الأفئدة , والتي كانت ومازالت وستبقى على مر العصور والأزمان قبلة المسلمين , قبلة القلوب وموئل النفوس , تسكن في رحابها الأرواح , وتسكب على ثراها العبرات , وتنهمر الدموع , دعا لها إبراهيم عليه الصلاة والسلام , والحنين إلى المسجد الحرام والاشتياق إلى مواطن الخير والعبادات دليل حياة القلب وعلامة إشراقة النفس وصحتها , قال تعالى : ” إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين “.