عاد الجوال محمد ذي العشرين ربيعاً من المسجد بعد أداء صلاة الفجر جماعة، ليجد جدته التي ربته بعد وفاة والده قد أعدت القهوة العربية وافترشت حديقة المنزل، وقبّل رأسها وجلس يحتسي القهوة معها وأخذا يتجاذبان الحديث في الأوضاع الحالية التي يمر بها العالم من جائحة فيروس كورونا، حيث صارحها أنه بدءًا من اليوم سيباشر مع عشائر الجوالة تقديم الخدمة العامة في أحد المولات بالعاصمة السعودية بالرياض ضمن الفرق التطوعية التي كونتها جمعية الكشافة.
في الساعة السابعة والنصف صباحا ارتدى الزي الكشفي ووضع حقيبته الخاصة على ظهره التي وضعت جدته فيها وجبة خفيفة، وقبّل رأس جدته مرة أخرى وودعها.
في المول بدأ محمد العمل مع زملائه في قياس حرارة الزبائن، وتفكيك زحام المتسوقين، وتوزيع القفازات والكمامات، وتعقيم عربات التسوق.
كان محمد يتنقل بين زملائه بهمة وحيوية ونشاط، وفجأة وبالصدفة قابله أحد أساتذته بالجامعة الذي جاء للتسوق، وبعد السلام هز الاستاذ رأسه وقال: “الأن فهمت لماذا أنت قوي الشخصية وتتميز بقدرات قيادية تتفوق بها على زملائك، لم يأت على بالي أنك ضمن عشائر الجوالة بالجامعة، سعٍد محمد بذلك الحديث وشكر أستاذه على تلك الكلمات المحفزة.
كان ذلك الحديث مثل الشرارة التي أوقدت المزيد من الحماس في نفس محمد الذي أخذ في العمل مجددًا بروح وثابة وعطاء متميز، يبتسم في وجه هذا، وينصح هذا، ويحفز هذا.
في المساء عاد محمد إلى البيت فوجد جدته في انتظاره حيث قبّل رأسها ومن ثم خلع ملابسه وعاد إليها ليتناولا العشاء مع بعضهما، ونقل لها خلال ذلك الوقت الموقف الذي حدث بينه وبين أستاذه .
في هذه اللحظة اغرورقت عينا جدته بالدموع وأخذت تكفكفها بظهر يديها المتجعدتين، فقال لها : “ماذا يبكيك يا جدتي ؟ توقعت أن هذا الامر يسعدك، قالت : “هو بالفعل يسعدني لكنها دموع لنجاحك بشهادة استاذك، وفرحة بأنك استمرار لمسيرة والدك الذي كان قوي الشخصية قوي الإرادة ماهر في القيادة دائم التضحية في خدمة وطنه”.