أصدرت هيئة علماء المسلمين في العراق بيانا أكدت فيه أن المقبرة التي عثر عليها جنوب مدينة الفلوجة تعود إلى مدنيين قتلتهم ميليشيات الحشد الشعبي التابعة لإيران تحت إشراف مباشر من الحرس الثوري الإيراني.
وفصلت الهيئة في بيانها أن عمّال إنشاءات كانوا يعملون في موقع جنوب مدينة الفلوجة، عثروا الاثنين الماضي، على مقبرة جماعية ضخمة على الطريق الرابط بين المدينة والعاصمة بغداد، وتحديدًا قرب (سيطرة الصقور) على الطريق المؤدي إلى (معسكر طارق) جنوب شرقي الفلوجة، داخل منطقة مسوّرة كانت تتخذها مليشيا الحشد والشرطة الاتحادية مقرًا لها، وتضم المقبرة رفات عشرات الجثث، وتتواصل عمليات الحفر والتنقيب بالمكان التي جرى توسيعها بعد هذا الاكتشاف، للوقوف على العدد النهائي للجثث، التي تقدّر بأكثر من (100) جثة بحسب العاملين الميدانيين.
وأضافت عُثر في المقبرة الجماعية المذكورة على جماجم وعظام بشرية وبقايا ملابس مدنيين بينهم أطفال، وبدت على الجماجم آثار ثقوب، كما وجدت أصفاد بقرب عظام يد الضحايا ما يشير إلى أنهم كانوا مقيدي اليدين ساعة إعدامهم، إلى جانب العثور على أوراق ثبوتية في ملابس بعض الضحايا، ووفقا لمصادر بدائرة الطب العدلي في الرمادي؛ فإن المعطيات الأولية والقرائن تشير إلى أن الضحايا سكان محليون تمت تصفيتهم رميًا بالرصاص ودفنهم بشكل جماعي في المنطقة. وهذا هو الأسلوب المعروف الذي انتهجته المليشيات المرتبطة بإيران خلال العمليات العسكرية الكبرى التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات.
وأكد مسؤولون حكوميون أن المنطقة تحت سيطرة الميليشيات ولم يصل إليها تنظيم (داعش)، ولذلك تحاول السلطات الحكومية التكتم على المقبرة، لأنها جريمة إعدام جماعية نفذتها مليشيات مدعومة من الحكومة.
وقالت الهيئة إن أبرز فصائل ميليشيا الحشد الضالعة بجرائم تطهير عرقي في العراق هي: كتائب حزب الله وبدر والعصائب وكتائب الإمام علي وكتائب سيد الشهداء والفصائل المسلحة الأخرى المقربة من طهران، التي ارتكبت سلسلة من جرائم الإبادات الجماعية بحق أهالي المحافظات المنكوبة خلال السنوات 2014 – 2017، منها جرائم الإخفاء القسري لنحو (700) مدني من عشيرة المحامدة، بينهم قاصرين، من سكان ناحية الصقلاوية التابعة لمدينة الفلوجة، التي ارتكبتها ميليشيا كتائب حزب الله في 2016، والتي يرافقها عناصر من الحرس الثوري الإيراني، والتي كانت تتخذ من المربع الذي عُثر فيه على المقبرة مقرًا لها، والتي لم يتم التحقيق في ملابساتها في حينه، وسط تكريس ممنهج للإفلات من العقاب والتجاهل الحكومي تجاه الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في العراق، على الرغم من المناشدات المحلية والدولية للكشف عن مصير المغيبين وإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة في سبيل تقديم الجناة للعدالة.
وقد حصل قسم حقوق الإنسان -في حينه- على شهادة لأحد الناجين من مجزرة الصقلاوية، الذي أكد تعرض مئات الرجال النازحين لعمليات تعذيب وحشي وإعدامات ميدانية بأساليب مروعة بعد اقتحام مليشيا الحشد والقوات الحكومية المنطقة سنة 2016.
ونقتبس في هذا التقرير مما قاله الشاهد، الذي كان يبلغ من العمر (45 عامًا) ساعة تقديم شهادته، الآتي: (بعد تقدم القوات الحكومية ومليشيات الحشد نحو قرى الصقلاوية، تعرضت المنطقة لقصف عشوائي مستمر من قبل تلك القوات، ما دفعنا إلى التفكير بجدية في الخروج بشكل جماعي باتجاه الفلوجة، ولكن ما منعنا من ذلك هو تفجير جسر سكة القطار من قبل مسلحي (داعش) وإطلاقهم النار علينا عند محاولتنا عبور نهر الفرات بالزوارق؛ فاتفقنا أنا وعائلتي والساكنون في قرى البو عكاش والشهداء الثانية والبو فياض وأطراف قرية الأزرقية على الذهاب نحو المنطقة التي تتواجد فيها القوات الحكومية لكي نخرج من دائرة القصف العشوائي المتواصل ونتفادى التعرض للاعتقال، خصوصاً أننا مدنيون خرجنا مع عائلاتنا.
واستأنف حديثه قائلًا: خرجتْ أول مجموعة من العوائل تضم نحو 300 شخص من سكان قرية البو فياض وأطراف الأزرقية باتجاه تلك القوات في يوم الخميس الموافق 2 يونيو 2016 عند الساعة الرابعة عصراً وإلى الآن لم نعرف مصير الرجال منهم بعد عزلهم عن النساء ونقلهم إلى مكان مجهول من ضمنهم أخي وأقاربي.
وأضاف بعد ساعات انطلقنا إلى الطريق العام نحو تمركز قوات الجيش، لكننا تعرضنا إلى إطلاق نار كثيف من تلك القوات ما أدى إلى مقتل فتاة صغيرة. وقد اضطرنا هذا الأمر إلى الرجوع نحو قرية البو عكاش. وفي صباح اليوم الثاني، أي يوم الجمعة 3 يونيو 2016، خرجنا مرة أخرى نحو الطريق العام رافعين رايات بيضاء ووصلنا إلى حي الشهداء الأولى فكانت الصدمة عندما وجدنا مليشيا حزب الله التي عرفناها من خلال راياتها الصفراء.
وعندما وصلنا وضعونا في علوة الحبوب أمام مقبرة البو عكاش ثم عزلوا النساء والأطفال تحت سن العاشرة ونقلوهم في حافلات وقالوا إنهم سيأخذونهم إلى المخيمات.
ووفقًا للشاهد نفسه ارتفع عندها صوت بكاء النساء والتوسل لعناصر المليشيا والشرطة الاتحادية الذين معهم للإفراج عن أزواجهن وأولادهن، إلا أن أحد عناصر المليشيات قال لهن لا تخفن سيتم نقلهم معكن إلى نفس المخيم لاحقًا.
وقال الشاهد عقب رحيل النساء، بدأوا بوضعنا في مكان مخصص لبيع الخضر في المنطقة بجانب مخازن الحبوب، وبعد فترة جاء عدد من المعممين في أربع سيارات نوع بيك آب وتم استقبالهم من عناصر الحرس الثوري الإيراني، فقال لهم أحد المعممين العدد جيد هؤلاء سيكونون حصة السيد أبو داوود. بعد ذلك رحلوا عقب هتافهم بشعارات طائفية وتوجيه الشتائم لنا ولأهل الفلوجة وتهديدنا بأخذ الثأر عن جريمة معسكر سبايكر.
وبحسب أحد سكان ناحية الصقلاوية – الذي فضل عدم كشف اسمه للإعلام خوفًا من البطش الحكومي- والذي تحدث إلى مندوب قسم حقوق الإنسان؛ فإن هناك محاولات محمومة للسلطات المحلية لإسكات ذوي الضحايا بعد الإعلان عن العثور على المقبرة التي يعتقد السكان المحليون أن الجثث التي عُثر عليها تعود لأبنائهم وذويهم، وتقوم السلطات بتهديد الأهالي تهديدات صريحة بالاعتقال والإخفاء إذا ما أثاروا أي معلومات أو تفاصيل عبر الإعلام.
وهذا يجري بالتزامن مع نفي مؤسسة الشهداء والجرحى التعرف على أي هوية للضحايا بدون أخذ عينات من رفات الضحايا لتحليلها؛ ما يؤكد السياسة الحكومية المنتهجة في طمس الحقائق، والتستر على هذه الجريمة كجميع سابقاتها.
ويأتي اكتشاف هذه المقبرة الجماعية الضخمة جنوب الفلوجة بعد أشهر قليلة من العثور على مقبرة جماعية ضخمة أخرى في منطقة شمالي محافظة بابل، تضم رفات عشرات المدنيين العراقيين الذين يُعتقد أنهم من سكان ناحية جرف الصخر والمناطق المحيطة بها، والذين تقدّر أعدادهم بأكثر من مائتي شخص أُعدموا رمياً بالرصاص، دون أن تكشف الحكومة عن ملابسات الجريمة، خاصة أنها وجدت في مكان تسيطر عليه القوات الأمنية الحكومية والمليشيات الموالية لها.
ويناشد قسم حقوق الإنسان الأحرار في العالم؛ لمساعدة ذوي ضحايا هذه المقبرة والدفاع عن حقهم في الحقيقة والوقوف على مصير أبنائهم، من خلال إجراء تحقيقات دولية مستقلة ونزيهة للتوصل إلى هويات الضحايا بدقة عالية، وإعادة الودائع إلى أهلها، بما يشكل نقطة التحول الرئيسية في سبيل إنهاء المآسي المزمنة التي تحدثها حالات التغييب القسري في حياة ذوي الضحايا وأقاربهم ومحبيهم.