خلال مليارات السنين كانت البكتيريا أحادية الخلية هي الحياة الوحيدة على الأرض، ثم تطورت الحياة بكائنات حية متعددة الخلايا، لكن البكتيريا لم تختفِ مطلقًا، وكان على جميع الكائنات الحية أن تتعلم كيف تعايش معها.
وعندما تم اكتشاف البكتيريا لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة قرون، كان معظم الانتباه يتركز على تلك التي قاتلناها، والتي تسببت في أمراض مثل الكوليرا والتيفوئيد والسل، من خلال اللقاحات والمضادات الحيوية.
وأحرز البشر تقدُّمًا مذهلًا في التغلب على هذه الآفات، والآن ومن خلال الأدوات المدمجة لتسلسل الحمض النووي والتحليل القائم على الكمبيوتر، أصبح لدينا تقريب أَوَّليٌّ للبكتيريا التي لا حصر لها التي نتعاون معها يوميًّا.
وحسب الباحثون فإن بداخل كل واحد منا ميكروبيوم، وهي مجموعة متنوعة من الميكروبات – البكتيريا وكذلك الفيروسات والفطريات والبروتوزوا الفريدة من نوعها، وهي في غالبيتها موروثة وتمثل استمرارية للحياة فيما تعود لآلاف السنين.
كما يعلم العلماء الآن أن الأحياء المجهرية للشعوب التي تعيش في الغابات والسافانا بعيدًا عن الطب الحديث، تحتوي على كائنات حية مجهرية أكثر تنوعًا بكثير من تلك الموجودة في البلدان الصناعية، وتشير هذه المقارنات بقوة إلى أنه مع مرور الوقت فقدنا الكثير من تراثنا الميكروبي.
وهناك أدلة متزايدة على أن تلك التغييرات مرتبطة بنشوء الأمراض الحديثة مثل السمنة والسكري والربو والحساسية الغذائية والحالات الالتهابية في الأمعاء والدماغ، كما كانت للتقدم نفسه الذي جعلنا أكثر صحة في بعض النواحي آثار جانبية غير مقصودة على الميكروبيوم القديم، مما وضعه تحت ضغط كبير، وتشمل هذه التطورات من بين أشياء أخرى المواد الحافظة للأغذية، والأهم من ذلك، الشيء الذي استخدمناه منذ زمن طويل لمكافحة البكتيريا المسببة للأمراض، المضادات الحيوية.
وأصبح البشر مدمنين للمضادات الحيوية، وكان من المفترض أن تكون هذه الأدوية للأمراض الخطيرة، ولكنها أصبحت تستخدم على نطاق واسع لعلاج الحالات الأكثر اعتدالًا؛ حيث تكون آثارها الإيجابية الصافية هامشية.
وحتى التعرض للمضادات الحيوية العابرة وخاصة في الحياة المبكرة، يمكن أن يؤدي إلى عواقب طويلة الأجل مثل السمنة أو زيادة خطر الإصابة في الأشهر اللاحقة، كما يمكن أن يؤدي تعرُّض النساء قبل ولادة أطفالهن إلى عواقب في الجيل التالي، ويمكن أن يؤدي تعرض البالغين إلى زيادة خطر الإصابة بمرض السكري وحصى الكلى وبعض أنواع السرطان.
ولذلك حاول بعض الباحثين العمل على إنشاء مخزن ميكروبيوتا؛ حيث يمكن الحفاظ على ميكروبات أجدادنا للأجيال القادمة قبل أن ينقرض العديد منها، وهي كائنات مهمة، ولحسن الحظ فإن ما عرفه العلماء في السنوات الأخيرة حول الميكروبيوم قد يتيح العيش بشكل أكثر تعاونًا مع البكتيريا.
وربما في المستقبل غير البعيد قد يقوم أطباء الأطفال بفحص كل من الأطفال وحفاضاتهم لتحديد ما إذا كان لدى الرضيع ميكروبات حيوية مثالية، وإذا لم يكن الأمر كذلك فسيكونون قادرين على إدارة الميكروبات المفقودة لتحسين مسار صحة الطفل، ولكن وحسب العلماء فإن تسخير الميكروبيوم الكامل للعلاج مع أساس علمي حقيقي سيستغرق بعض الوقت.