مرت سبع سنوات منذ إعلان العلماء لأول مرة عن توصلهم لكيفية لصق الجينوم البشري بدقة وموثوقية باستخدام تقنية كريسبر، مما يجعل من الممكن التفكير في اقتلاع الطفرات المسببة للأمراض وعلاج الأمراض الجينية، وفيما كان العلماء يمضون قدمًا لاستخدام التكنولوجيا الجديدة لبدء علاج المرضى، فاجأ أحد علماء الصين في نوفمبر الماضي العالم، عندما أعلن أنه استخدم هذه التقنية لتغيير جينومين توأمين ليكونا في مأمن من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، وبعيدًا عن تفاصيل تجربته فقد تم انتقادها بشدة، لأنه لا يمكن للخبراء التأكد من الآثار طويلة الأجل لهذه التعديلات الدائمة أو مخاطرها غير المعروفة.
ولكن بعض الباحثين أعلنوا مؤخرًا عن شكل مقبول أكثر من تحرير الجينات، من شأنه تغيير العيوب الوراثية في الخلايا التي لا تنتقل إلى الجيل التالي، وبذلك يختلف هذا التعديل الجيني في الأشخاص بعد الولادة عن العمل المثير للجدل، الذي قام خلاله العالم الصيني بتغيير الحمض النووي في الأجنة عند الحمل بطريقة يمكن أن تميز السمات وتنقلها إلى الأجيال القادمة، بينما تغييرات الحمض النووي في البالغين التي تهدف الدراسة الجديدة إلى إجرائها لن ترثها الذرية.
وحاليًا يسجل الباحثون المرضى المولودين بمرض رؤية خلقي، والمصابون هنا فوق سن ثلاث سنوات ولديهم عيون طبيعية، لكنهم يفتقرون إلى جين يحول الضوء إلى إشارات تترجم في الدماغ وتمكن البصر من الرؤية، بمعنى أنها موجهة للأشخاص الذين لديهم شكل واحد من مرض ليبر الخلقي، وهو السبب الأكثر شيوعًا لعمى الطفولة الموروث، والذي يحدث في حوالي 2 إلى 3 من كل 100 ألف ولادة، وفيه غالبًا ما يرى الناس الضوء الساطع والأشكال غير الواضحة، وفي النهاية يمكن أن يفقدوا كامل البصر.
وستكون التجربة المزمعة هي الأولى في الولايات المتحدة حول ما إذا كان كريسبر يمكنه إصلاح طفرة في خلايا جسم بشري حي، وفيها سيتم إدخال كريسبر مباشرة في العين، لإصلاح الطفرة الوراثية في خلايا رؤية المرضى، وهو أمر مهم لبناء الجزء الخارجي من خلايا المستقبلات الضوئية التي تستشعر وتترجم الضوء إلى إشارات تنتقل عبر العصب البصري إلى الدماغ حيث يتم تفسيرها، بينما تمنع هذه الطفرات المستشعرات الضوئية من استشعار الضوء، مما يسهم في ضعف البصر أو العمى، وهو مرض وحيد الجينات ما يجعله هدفًا مثاليًّا للعلاجات المبكرة بهذه التقنية.
وحسب العلماء المشاركين في التجربة، فإنهم يأملون في فصل الطفرة واستبعادها ومن ثم اعادة البروتين الموجود إلى مستوياته الطبيعية، وهو ما سيسمح للمرضى بإحساس الضوء مرة أخرى، ويمكن أن يتحول الإحساس بالضوء إلى رؤية، ولكن لا تزال هناك أسئلة مهمة حول كيفية تحرير جينات كريسبر بطريقة آمنة وفعالة بمجرد إطلاقها في جسم الإنسان، فمن الناحية النظرية تعمل تقنية كريسبر بشكل جيد في المختبر، ولكن كما هو الحال مع أي تكنولوجيا هناك مواطن خلل، وقد أظهرت بعض الدراسات أن عملية تحرير الجينات تنفجر مرة واحدة تلو أخرى، ما قد يؤدي إلى ربط أماكن غير صحيحة في الجينوم، ثم هناك سؤال أكبر حول الآثار الطويلة الأجل غير المتوقعة التي قد تحدثها عمليات التحرير على الجينوم البشري، ولكن إذا نجحت هذه العملية فسيكون ذلك بمثابة حل لمرة واحدة لاضطراب وراثي لا يمكن علاجه حاليًا على الإطلاق، وسيؤدي التحرير الوراثي بشكل أساسي إلى القضاء على الطفرة الوراثية، واعتمادًا على الوقت الذي يتم فيه إعطاء العلاج لن تعود الرؤية فحسب، بل ربما سيتم الحفاظ عليها.
وحسب الباحثين، فإن العلاج التجريبي يهدف إلى تزويد الأطفال والبالغين بنسخة صحية من النسخة المختلة، والغرض منه هو العلاج لمرة واحدة لتغيير دائم في الحمض النووي للشخص الأصلي فقط، وبناءً على ذلك سيتم حقن آلية تحرير الجينات الجزيئية تحت الشبكية، وسيتم تغليف كريسبر بفيروس غدي غير نشط تم تصميمه خصيصًا لتوصيل هذه الحمولة إلى خلايا مستقبلات الضوء، وحتى لو قاموا بتفريغ كريسبر في خلايا أخرى، فإنه ليس خطيرًا من الناحية البيولوجية، لأن الجين خاطئ في ترميز الخلايا المستقبلة للضوء فقط، ولتتبع ما تم سيقوم فريق البحث بتقييم رؤية المرضى من خلال اختبار خاص مصمم لمن يعانون من ضعف البصر، كما يخطط العلماء أيضًا لمحاولة تتبع ما إذا كان قد تم بالفعل إعادة بناء خلايا المستقبلات الضوئية أم لا.