أوصى الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي إمام و خطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس, المسلمين بتقوى الله فهي خير ما يوصى به ويستزاد وأعظم ما يورى به زناد التأسي بخير العباد, وتقوى الله في الغيب والإشهاد.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام اليوم : لقد زخرت السيرة النبوية بصور وضيئات تجسدت فيها مقاصد الشريعة الإسلامية, فالمقصد العام من الرسالة المحمدية هي الرحمة بالإنسانية, وما ذلك إلا بالدعوة إلى توحيد رب العالمين وإتمام مكارم الأخلاق.
وتساءل قائلا : أين لنا بحفظ الضروريات كما حفظتها لنا سيرة خير البريات صلى الله عليه وسلم, فليس أبهى ولا أجمل في جانب حفظ الدين وجوداً وعدماً من نصح وتوجيه النبي الأمين لعموم المسلمين, وإبراز جوانب العقيدة ومعالم الدين, ومن معالي المقاصد في السيرة النبوية؛ النهي والزجر عن قتل النساء والشيوخ والجرحى والزَّمنى والمرضى والرهبان, كل ذلك حفاظاً للنفس عن الهلاك, وجاء أيضاً النهي عن قتل الأطفال والصبيان حفظاً للنسل.
وأوضح أن السيرة النبوية تألقت أيضاً بحفظ العقل فجاء النهي النبوي الكريم عن المسكرات والمخدرات وكل ما من شأنه تغييب الوعي والفكر, ولما للعقل من أهمية خاصة كان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم به اهتماماً شديداً, فكما نهى عن المسكرات والمخدرات نهى أيضاً أن يكون المسلم ضعيف الرأي إمعة, كما تصدى للأفكار الجانحة عن الوسطية والاعتدال.
وقال : درة أخرى تستخرج من جنبات السيرة العطرة وهي من ضروريات الحياة ألا وهي حفظ المال, حتى ولو كانت أموال العدو وفي وقت الحرب والقتال, فجاء النهي عن تحريق الأشجار والزروع والدواب وهدم الديار والبنيان وتخريب العمار وجاء النهي أيضاً عن الإسلال والإغلال وأخذ النهبة.
وأكد إمام و خطيب المسجد الحرام أن السيرة الزكية النقية الرائقة اشتملت مع المقاصد الضرورية؛ المقاصد الحاجية, فوسعت على الخلق في أمورهم الدينية ورفعت عنهم الضيق المؤدي إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوات المطلوب, فإن لسيرة المختار صلى الله عليه وسلم هديرها ورواءها في سويداء النفوس التي أحبته وأجلته, والأفئدة المولهة العميدة بخصاله وشمائله, فهي للأجيال خير مرب ومؤدب, وللأمة أفضل معلم ومهذب, لاسيما في هذه الأزمنة المعاصرة, حيث الغلو والإرهاب والطائفية وكثرة البدع والأهواء.
وأضاف قائلا : معاشر المسلمين ولئن كان العالم مفزع بالحروب والخطوب فإن على أمة الإسلام جميعا أن تنثني الى السيرة النبوية في عمق وشمول وأن تكون أشد تعلقا بنبيها وسيرته عليه الصلاة والسلام تأسيا واستبصارا , وفهما وسلوكا واعتبارا لتنتشل نفسها من كلاكل العجز والتمزق والفتن والانحدار , التي منيت بها في هذه الآونة العصيبة القلقة , و إن فئاما من الناس في أعقاب الزمن استبدلوا بنور الوحيين سواهما , واكتفوا من السيرة النبوية بالقصص والحكايات وغفلوا عن المقاصد والغايات , آثروا الشكليات والمظاهر عن الحقائق والجواهر والمآلات البواهر إلا فلنعلنها مدوية خفاقة وشجى في اللهوات المغرضة الأفاكة ’ إن السيرة النبوية والمناقب المحمدية على صاحبها أزكى السلام والتحية هي مناط العز والنصر وأجلى لغات العصر التي تعرج بالأمة إلى مدارات السؤدد والتمكن .
ودعا الشيخ السديس علماء الأمة أن يبينوا للعالم أجمع وبكل الفخر والاعتزاز ,مقاصد السيرة السنية وما اكتترت من رحمة وعدل وسلام وأخلاق فريدة وأمن ووئام , فلم تكن حاجة الأمة في عصر من العصور إلى الاقتباس من مشكاة النبوة ومعرفة السيرة العطرة معرفة اهتداء واقتداء أشد إليها من هذا العصر , حيث فاءت الأمة إلى يباب التبعية والذيلية والوهن , وصارت والتنافر والتناثر في قرن وشط بها المزار عن ذلك الهدي المتلألئ الوضاء المدرار , وصارت مقدسات المسلمين يعيث فيها أعداء الاسلام فسادا , وهاهم يصعدون عدوانهم وإرهابهم في مسرى سيد الثقلين وثالث المسجدين الشريفين , أقر الله أعين المؤمنين بفك أسره من الصهاينة الغاضبين وجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين .
كما دعا الشيخ السديس شباب الأمة أن يسقطوا الرايات المشبوهة ويدحضوا الشعارات الزائفة ويستظلوا بظلال السيرة الوارفة , فهي الرصيد التاريخي والمنهل الحضاري والمنهج العلمي والعملي الذي تستمد منه الأجيال المتلاحقة من ورثة ميراث النبوة وحملة مشاعل الهداية زاد مسيرها وأصول امتدادها وعناصر بقائها ولنجلي للعالمين محاسن هذا الدين بمزيد التمسك بهدي سيد المرسلين وما أحوجنا إلى قراءة السيرة النبوية قراءة مقاصدية لنستشرف مآلات الأفعال وسط عالم تغمره أمواج الفتن ويعاني إخواننا في بقاع شتى صنوفاً من الصراعات والقتل والتشريد وما حال حلب وأهل الشام عنا ببعيد وكذا إخواننا في العراق واليمن وبورما وأراكان , سائلا الله تعالى أن يشفي صدور قوم مؤمنين بنصر مبين تعز فيه الإسلام وأهله وتذل أهل الشرك الظالمين الغاشمين .
وفي المدينة المنورة دعا فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ, المسلمين إلى التوبة والإنابة والرجوع إلى الله لتصلح أحوالهم, ويدفع الله عنهم البلاء, ويرفع ما أًصابهم من المحن والمصائب.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة اليوم, إن ما يحصل للمسلمين من الكرب والابتلاء يجب أن يجعلهم في موضع محاسبة, وموطن تساؤل عن علاقاتهم بربهم, ومدى تمسكهم بدينهم, والتزامهم بسنة نبيهم عليه أفضل الصلاة والتسليم, مبيناً أن هذه المصائب لا يقدر أحدٌ من البشر على دفعها, فينبغي أن تكون أسباباً دافعة لهم وحافزةً للمسلمين لتعاملهم في كافة مسالكهم وتوجهاتهم, وليرفعوا عنهم الغفلة التي أًصابتهم فيما يتعلق بالتقصير في التزامهم بشريعة ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
وقال الشيخ حسين آل الشيخ : ” إن ما حلّ بالمسلمين من المصائب الفردية والجماعية والدولية يجعلهم في ضرورة للبحث عن الأسباب التي ترفع عنهم البلوى وتكشف عنهم الضراء, وإن أصل هذه الأسباب يكمن في تحقيق الطاعة الكاملة لله جلّ وعلا, والاستجابة لما شرعه لخلقه, والاستجابة الدائمة له سبحانه في السراء والضراء, وفي العلن والنجوى” مستشهداً بقول الله سبحانه : ” وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا”, وقول ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك, (أي ينجيهم من كل كربٍ في الدنيا والآخرة).
وبين فضيلته أنه متى ما حقٌّق المسلم هذا الأصل في نفسه ومجتمعه, صار له مخرجاً من كل شيء ضاق عليه, متى ما تمسكت مجتمعات المسلمين بهذا الأصل تمسكاً كما كان عليه نبينا صلى الله عليه وسلم, والثلّة الأولين من سلف هذه الأمة في شؤونهم كلها, صلحت أحوالهم وطابت حياتهم, وتيسّرت أمورهم, تحققٌّ أمنهم وأمانهم, واندحر عدوهم, متى ما تمسكوا بتقوى الله جلّ وعلا حاكم من حكام المسلمين أو مسئول بذلك تحقّق عزه, وعلا شأنه, وقوي ملكه, ودام في الحياة سؤدده, وحسن منقلبه ومآله, لقوله جل وعلا ” أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ “, فمهما أصابهم فإن معية الله الخاصة معهم, يحفظهم ويكلأهم ويرعاهم.
وقال: إن المسلمين اليوم, وهم يعانون من أنواع البلايا في دينهم وأنفسهم, في أموالهم وأعراضهم, في معايشهم وأرزاقهم, يعيشون بما لا تطيب به حياتهم, ولا يسعد به عيشهم, ولا تؤمن به سبلهم, ولا تستقر به أحوالهم, فإن عليهم أن يستفيقوا ويتعقلوا , ويتخذوا من هذه المصائب أسباباً للرجوع إلى خالقهم, وأن يعلموا أنه مهما بلغت قسوة هذه المصائب فإنها ليست بشيء عند مصائب الآخرة حين يلقون ربهم, إذا أعرضوا عن دين الله, وتولوا عن شرعه, وارتكبوا نواهيه, وقارفوا معاصيه ” وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ “.
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن الله سبحانه وتعالى, من كرمه وفضله, وجوده ورحمته, يذكّرنا بحقيقةٍ تغيب عن كثير من المسلمين, مع تعدّد التحاليل السياسية التي منظورها دنيوي لا ديني, إذ يقول الله سبحانه ” وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ” ويقول عزّ شأنه ” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”.
وبيّن أنه ليس ما أصاب المسلمين وما يصيبهم من ألوان العذاب والبلاء إلا أن يرجعوا إلى ربهم ويتضرعوا إليه, ويتوبوا إليه توبة نصوحاً من جميع الذنوب والموبقات, معاهدين ربّهم بنبذ كل أنواع المعاصي وكافة السيئات, محاربين لكافة سبل القبائح والموبقات في أنفسهم ومجتمعاتهم, لقوله عزّ وجل “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ “.
وأكد آل الشيخ, أن هذه المصائب ليس لها من دون الله كاشفة, وأنه من واجب المسلمين الرجوع إلى الله, وتبديل ما أظلم من حياتهم, بنور التقوى والتقرب لرب الأرض والسماوات, والالتزام بسنة أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام, إذ يقول الحق تبارك وتعالى ” وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “, ويقول سبحانه ” فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ”, وقوله جل وعلا ” فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ”.
وشدّد فضيلته على الالتزام بحدود الله جل وعلا, لتتحقق الرحمة من الله وتصلح بها الحياة, ويرتفع بها الشقاء, ويندحر بها شر الأعداء, يقول تعالى ” لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” , إن ما وقع للأمة في كثير من مواقفها التي لا تخفى, وما حلّ بها جميعاً من مخاوف ومخاطر لا منتهى لها, إلا برحمة من الله .
وأضاف : إن أعظم الظلم صرف الناس عن دينهم, ثم ظلمهم في معايشهم, داعياً إلى الدفاع عن بيضة الإسلام, والوقوف صفاً واحداً أمام كل عدوٍ لدود لايألوا في المسلمين إلاً ولا ذمة, والاتحاد لدرء الأخطار, والتعاون على الوقوف أمام كيد الأشرار لمكر الأعداء الحاقدين, والغزاة الطامعين, وأن يعدّوا لهم من القوة ما استطاعوا, وأعظم القوة التوبة إلى الله وإصلاح الأمور وفق شرع الله عز وجل.
وأوضح فضيلته, أن ما أصاب المسلمين في حلب الحبيبة من مجازر مروّعة, بلغت في القسوة ما لا حدّ له, ولكن لئن طال المصاب فلنتضرع للعزيز الوهاب, وندعوه خوفاً وطمعاً, ونخلص له العمل, مورداً قول الله تعالى ” وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ”, وقوله سبحانه “أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ “.
ودعا آل الشيخ المسلمين إلى أن تكون وصية الله حاضرة في حياتهم كلها, مذكّراً أن من أسباب دفع البلاء ورفع المصائب, الإحسان بألوانه المختلفة, ومنها الصدقة ومعاونة المحتاج لا سيما إخواننا المستضعفين في مواطن الصراع التي أصابت بلاد المسلمين كحلب والموصل واليمن وبورما وفلسطين وغيرها, مذكراً تجّار المسلمين بالمسئولية العظيمة عليهم تجاه إخوانهم, والتي تعود عليهم بالخير العظيم في دينهم ودنياهم, داعياً إياهم أن يقدموا لأنفسهم, ويساعدوا إخوانهم, ويقدموا يد العون لكل فقير ومسكين, ليحفظ الله لهم أموالهم, ويبارك في تجاراتهم, ويدفع عن بلدانهم كل مكروه.