اكتسبت مدينة جدة بعدًا تاريخيًّا بما يسمى حاليًّا بـ منطقة “جدة التاريخية”، حيث نشرت دارة الملك عبدالعزيز عبر حسابها على “تويتر” جوانب مشرقة من هذا المخزون التراثي الحضاري بداية بتاريخها الذي يعود إلى عصر ما قبل الإسلام واتخاذها من قبل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ميناءً لمكة المكرمة عام 26هـ / 647م موثقة الدارة الأبنية والحارات والرواشين والنوافذ الداخلة في عمارة “جدة التاريخية” التي ما زالت تتغنى بعراقتها عهود الزمن الحاضر، لتبقى مدينة جدة كمتحفٍ مفتوح و تسجل ضمن المواقع الأثرية في قائمة التراث الإنساني العالمي لدى اليونسكو عام 1435هـ / 2014م.
واستحضرت الدارة ضمن توثيقها لتأسيس وتوحيد المملكة العربية السعودية دخول الملك عبدالعزيز – رحمه الله – جدة في عام 1344هـ الموافق 1925م واتخاذه من بيت نصيف سكنًا لفترة، واتخذ مجلسًا ومُصَلى بجوار مسجد الحنفي، وكانت مدينة جدة مجتمعا واحدا عشق أهلها البحر الذي هو مصدر رزقهم وحياتهم، وعمل أهلها على بناء سور ضخم يحيط بها ويمنع عنها الغزاة، ثم تغير الزمان وأضحت مدينة كبيرة.. وبوابة الحرمين الشريفين وعروس البحر الأحمر وميناء المملكة الأول.
وأبرزت الدارة المعالم والمباني الأثرية والتراثية المهمة التي تحتضنها جنبات منطقة جدة التاريخية من أبرزها المساجد التاريخية ذات الطراز المعماري الفريد وحاراتها التاريخية التي تختزن في أسمائها كثيرًا من القصص والأحداث، بالإضافة إلى أسواقها التي تتميز بطابعها الخاص الذي جعلها مختلفة عن الأسواق المشابهة في غيرها من المدن، مشيرة إلى أن سور جدة بناه حسين الكردي أحد أمراء المماليك في حملته عندما اتجه ليحصن البحر الأحمر من هجمات البرتغاليين فشرع بتحصينه وتزويده بالقلاع والأبراج والمدافع لصد السفن الحربية التي تغير على المدينة، وإحاطة السور من الخارج بخندق زيادة في تحصين المدينة من هجمات الأعداء.
وأضافت الدارة أن بناء السور الذي تم بمساعدة أهالي جدة، كان له بابان أحدهما من جهة مكة المكرمة والآخر من جهة البحر، كما يشتمل السور على ستة أبراج كل برج منها محيطة 16 ذراعًا ثم فتحت له ستة أبواب هي: باب مكة، وباب المدينة، وباب شريف وباب جديد وباب البنط وباب المغاربة أضيف إليها في بداية القرن الحالي باب جديد وهو باب الصبة، وتم إزالة السور لدخوله في منطقة العمران عام 1947م مشيرة إلى تقسيم مدينة جدة داخل سورها إلى عدة أحياء أطلق عليها قديمًا اسم “حارة” وقد اكتسبت تلك الأحياء أسماءها حسب موقعها الجغرافي داخل المدينة أو شهرتها بالأحداث التي مرت بها وهي: حارات “المظلوم “، و”الشام”، و”اليمن”، و”البحر”، و” الكرنتينة”.
وعرجت الدارة على بناء أهالي جدة بيوتهم من الحجر المنقبي الذي كانوا يستخرجونه من بحيرة الأربعين ثم يعدلونه بالآلات اليدوية ليوضع في مواضع تناسب حجمه إلى جانب الأخشاب التي كانت ترد إليهم من المناطق المجاورة كوادي فاطمة أو ما كانوا يستوردونه من الخارج عن طريق الميناء خاصة من الهند، كما استخدموا الطين الذي كانوا يجلبونه من بحر الطين يستعملونه في تثبيت المنقبة ووضعها بعضها إلى بعض. وتتلخص طريقة البناء في رصّ الأحجار في مداميك يفصل بينها قواطع من الخشب “تكاليل” لتوزيع الأحمال على الحوائط كل متر تقريبًا ويشبه المبنى القديم إلى حد كبير المبنى الخرساني الحديث والأخشاب تمثل تقريبًا الحوائط الخارجية للمنشأ الخرساني وذلك لتخفيف الأوزان باستعمال الخشب، ومن أشهر وأقدم المباني الموجودة حتى الآن بيت آل نصيف، وبيت آل جمجوم، ودار آل باعشن، وآل قابل، ودار آل باناجة، وآل الزاهد، وآل الشربتلي كما ظلت بعضها لمتانتها وطريقة بنائها باقية بحالة جيدة بعد مرور عشرات السنين.
ووثقت الدارة أبرز المساجد بمنطقة جدة التاريخية وهي: “مسجد الشافعي”، و”مسجد عثمان بن عفان”، و”مسجد الباشا”، و”مسجد عكاش”، و”مسجد المعمار”، و”مسجد الرحمة”، و”مسجد الملك سعود”، و”مسجد الجفالي”، و”جامع حسن عناني” لافتة إلى أن هذه الأحياء العتيقة ما زالت تحوي لمسات من الحياة التقليدية ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي القديم التي تنتشر حولها بعض محال الحرف الشعبية والتقليدية القديمة، ومن أشهر الأسواق العامة في المنطقة التاريخية قديمًا “سوق العلوي”، و”سوق قابل”، و”سوق الندى”.
ومن أهم الأسواق المختصة التي كانت موجودة بجدة التاريخية وهي : “سوق السمك العروف بـ “البنقلة”، وسوق الخضروات والجزارين بالنوارية الواقعة في نهاية شارع قابل إلى ناحية الشرق، والسوق الكبير تباع فيه الأقمشة في دكاكين كبيرة وصغيرة مكتظة بفاخر الأقمشة على مختلف أنواعها، وسوق الخاسكية وتقع خلف دار الشيخ محمد نصيف، وسوق الندى ومعظم المحلات فيه لبيع الأحذية إضافة لسوق الجامع نسبة إلى جامع الشافعي، وسوق الحبابة ويقع في باب مكة، وسوق الحراج “المزاد العلني ” وكان يقع في باب شريف، وسوق البدو في باب مكة ويباع فيه كل ما يجذب سكان البادية، وسوق العصر ويقع في باب شريف ويقام في كل عصر في ذلك الوقت، وسوق البراغية الذي تصنع فيه برادع الحمير والبغال وسروج الخيل عند عمارة الشربتلي، وسوق السبحية وكانت تصنع وتباع فيه المسابح وهو سوق في موقع الخاسكية.
وأضافت عرفت جدة قديمًا بالخانات، والخان ما يسمى بالقيسارية / القيصرية أي السوق التي تتكون من مجموعة دكاكين تفتح و تغلق على بعض، ومن أهم خانات جدة التاريخية خان الهنود، وخان القصبة وهو محل تجارة الأقمشة، وخان الدلاّلين، وخان العطارين، وما زالت عادات مدينة جدة بأهلها العامرين تجمع الأحبة فكل شخص وعائلة يقوم بتزيين منزله بالأنوار، وآخرون يقومون بترديد الأهازيج استقبالًا للزوار، وتشكل تلك الطقوس ملامح جمالية لمدينة جدة في المناسبات الدينية مثل شهر رمضان خاصة في المنطقة التاريخية المركزية والبلد التي تحتفظ بمخزون هائل من التراث والذكريات، وفي “المحاكة” عند العمد وكبار السن.