بدأ إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم – خطبته بوصاية الناس بتقوى الله سبحانه وتعالى فما خاب من عض عليها بالنواجذ واتقى ربّه في منشطه ومكرهه وغضبه ورضاه . وقال :” إنّ من أهم سمات المجتمع الناجح المتكامل أن يكون في بنيانه متماسكاً تجمعه لبنات مرصوصة تمثل حقيقة أفراده وبنيه , ولا تختلف فيه لبنة عن أخرى ولا فرق فيها بين ما يكون منها أسفل البناء أو أعلاه ؛ لأن البناء لن يكون رأسياً يسند بعضه بعضاً إلا بهذا المجموع ومتى كان التصدع أو الإهمال لأي لبنة من لبناته فإنه التفكك و الانفطار ما منه بدٌ , فضلاً عن أن هذا بداية تساقطه شيئاً فشيئاً وهذه حال كل مجتمع وواقعه .
وأضاف فضيلة الشيخ سعود الشريم : “حينما يعم العمل التطوعي جنبات المجتمع ويفرض نفسه شعوراً سامياً لذويه وبني مجتمعه ليقضين على الأثرة والشح والاحتكار والمسكنة , شريطة ألا تغتال صفاءه أبعاد مصلحيّة أو حزبيّة أو إقليمية , وليس هناك حد لمن يحق له أن يستفيد من العمل التطوعي ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم ,يقول : “في كل كبد رطبة أجر” رواه البخاري ومسلم .
واستطرد الشريم ” كل عاقل يدرك قيمة المجتمعات في نهوضها والحفاظ على نفسها من التهالك والتصدع ويدرك أن العمل التطوعي مطلب منشود في جميع الشرائع السماوية والوضعية , في الإسلام وقبل الإسلام , وهي علامة بارزة على صفاء معدن صاحبه ونخوته وعاطفته ولطفه.
ويذكرنا فضيلته بنبل الإسلام وكرمه في قوله ” ومما يؤكد أن العمل التطوعي فطرة سويّة في الإسلام وقبل الإسلام ما ذكره حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حيث قال له : يا رسول الله ! أرأيت أموراً كنت أتحنّث بها في الجاهلية ؛ من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم , أفيها أجر؟ فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم – :” أسلمت على ما أسلفت من خير ” رواه مسلم .
مشيراً فضيلته إلى أن هذه السعة في الإسلام وسماحته ورحمته ؛ إنه تحثّ الناس على البر والتعاون عليه وتلمس احتياجات الناس .
ويذكرنا فضيلته : “لو نظرنا نظرة خاطفة إلى مجال واحد من مجالات التطوع وهو سد العوزة والفقر وإكساب المعدومين لوجدنا أن الذي ينفقه الموسرين على الترفّه والتحسينات ربما سد حاجات فقراء لدة بأكملها “.
ويضيف فضيلته :”هذا هو ديننا وهكذا علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم , إنه يريد منا جميعاً أن نكون أيادي خير وبناء وسداد نعمل ولا نقعد ونشر بالآخر ولا نصم عنه ونعمى “.
وينوّه الشريم بأن كل مؤمن غيور على أمّته لتستوقفه ظاهرة العمل التطوعي في هذه الآونة ؛ حيث باتت من أبز الظواهر الإنسانية العالمية فقد بلغت في ديار غير المسلمين مبلغاً عظيماً محاطاً بالدقّة والإتقان والتفاني وروح الرجل الواحد ، في حين أنه ليستوقف المسلم المراقب ما يقارنه بين العمل التطوعي في الغرب وما وصل إليه وبين العمل التطوعي في بلاد الإسلام , وما يعانيه من نقص في المفهوم الحقيقي له , والإعداد المتقن , ونسبة التأخر والتراجع عما هو عليه المفهوم عند الآخرين .
مستطرداً أنه من المؤسف جداً أن تكون جملة من النماذج للعمل التطوعي في المجتمعات المسلمة تقدم لهم على صورة عمل إجباري أو واجب لا يمكن التراجع عنه قبل أن يسبق ذلكم تهيئته نفسية ودينية واجتماعية لفهم هذا العمل الجليل ، كأن يزج بهم في واد أو حي أو طريق ليقوموا بتنظيفه ، كعمل تطوعي بقالب إجباري دون أن يسبق ذلكم المقدمات الأساس لإذكاء قيمة هذا العمل الشريف وأن يسبق ذلكم عنصر التخلية والتصفية لشوائب المنن التي اعتاد عليه المجتمع في حياته مقابل كل عمل يكون .
ويصف لنا فضيلته عظمة ونبالة العمل التطوعي قائلاً :”العمل التطوعي يتطلب قدرة فائقة على العطاء دون منّة أو ترقب أجرةٍ , بل إن مبعثه الحب والعطف والإحسان الذي لا يكترث بماهية الرد وإنما يحرص على رضا الضمير وخلوه من التقصير والخذلان تجاه المجتمع ” .
ويضيف قائلاً : المجتمع الناجح الكريم البار هو من لا ينتظر أحداً يقول له : أعطني ، لأن يده تسبق سمعه وفعله يغني عن قوله.
ويختتم فضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم خطبته موصياً نفسه أولاً قائلاً: ما أحوجنا جميعاً في هذا الزمن الذي كثرت فيه الحروب والكروب والمدلهمات وطالت نيرانها إخوة لنا في الدين ، سقوفهم قد وكفت وجدرانهم قد نزت , لا تكاد تمنع عنهم برداً ولا بللاً ، في سوريا وفي بورما وفي غيرها من بلاد المسلمين ما يستدعي شحذ الهمم ، وإذكاء العمل التطوعي بكل وجوهه وصوره وعلى رأسها شريان الحياة الذي هو المال .