بهدف الوقوف على المعالم الحضارية والأثرية ومواقع الأحداث التاريخية التي تزخر بها محافظة الجموم ومركز عسفان، وضمن جهود الجمعية الرامية لاكتشاف ودراسة وتوثيق المواقع التاريخية والأثرية، في جميع مناطق المملكة، زار وفد من الجمعية التاريخية السعودية، عددهم أكثر من ٥٣ مؤرخًا ومؤرخةً ومهتمًا بالآثار من جامعات المملكة المختلفة، وبعض الجهات ذات العلاقة، حيث قام الوفد بجولة ميدانية، استمرت ١٤ ساعة.
وسلَّطت الزيارة الأضواء على مكانة المحافظة ومراكزها تاريخيًا، وبعض الدراسات والبحوث المجراة سابقًا وحصر ما تحتضنه من آثار ومواقع تاريخية، فيما قدَّم رئيس الجمعية وعدد من الأعضاء تعريفًا مختصرًا بالجمعية ومنجزاتها، تلا ذلك جولة ميدانية أولى اطلع خلالها الوفد على جهود المحافظة، والإدارات الحكومية في جميع المجالات، ووقف على عدد من آثار الجموم التاريخية، شملت مبرة الملك عبدالعزيز، ومسجد الفتح، وسوق مجنة الأثري القديم، ومسجد الروضة، وآبار العزيزية، والعيون القديمة، ومتحف القلعة، وزيارة سوق الأسر المنتجة بحديقة العزيزية، ومشروع العزيزية سقيا مدينة جدة.
عقب ذلك، كرَّمت الجمعية المحافظ، وعدد من الأعضاء المشاركين والمشاركات، والمساهمين في إعداد وإنجاح برنامج الزيارة وإثرائه أثناء استضافة عون الشريف لزوار المحافظة وأعضاء الجمعية، وكان أبا نايف قد قدَّم تعريفًا بالجموم تاريخها وحاضرها .
يذكر أن الجموم بها العديد من الآثار والمواقع التاريخية العديدة التي تستحق الزيارة، وتستوجب الدراسة والبحث. وكذلك في مراكز المحافظة مثل مدركة ورهاط وهدى الشام وبقية المراكز.
وخُصصت المرحلة الثانية من الجولة لزيارة مركز عسفان التاريخية المحتضنة لأحد عشر معلمًا أثريًا، وست مواقع تاريخية تتوزع على طول المسافة بين الجموم وعسفان -٦٠ كيلومترًا- حُولت خلالها حافلة الرحلة إلى قاعة حوار عنوانها عسفان التاريخ والحاضر والمستقبل.
وأدار الحوار وأجاب على تساؤلات المؤرخين المهتم بشؤون عسفان محمد ابراهيم الحربي، وأبرز أهمية عسفان التاريخية ومكانتها الإقتصادية قديمًا وحديثًا، وكيف أصبحت ملتقى ثقافي واقتصادي ورياضي بما نظَّمته من مهرجانات ودورات رياضية لسكان المدن والمحافظات من حولها، وكيف أصبحت مركزًا خدميًا للحجاج والمسافرين وسكَّان الهجر والبوادي والمحافظات قديمًا وحديثًا، وزوَّد الزائرين بفكرة عن سوق النفع العام -حوالي مليون وثلاثمائة الف متر مربع- والمنطقة الصناعية -١٦ مليون متر مربع- والملعب الرياضي – ٥٠٠٠ متفرج-، والمركز الحضاري والتي نجحت في إنشائها بلدية عسفان، وحققت عائدًا ماليًا يفوق الـ١٢ مليون ريال سنويًا، وتعرَّف الأعضاء على المسميات التاريخية ومواقعها مثل حرة ضجنان، وكراع الغميم، وطريق الهجرة والينبوع الذي رجَّح المؤرخ عاتق البلادي أنه ماء الرجيع، والمنطقة التي شرعت فيها صلاة الخوف -بين حرة ضجنان وعسفان البلدة-، ووقف الجميع. على الوادي الذي سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر عن اسمه حين مروا به، فقال رضي الله عنه “عسفان”، فقال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، من هنا مر النبي هود وصالح.
كما أن مسافة القصر هي المسافة بين مكة وعسفان، وشاهدوا البئر الاثرية التي يُقال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تفل فيها فصلح مائها، وسميت بئر التفلة، وكذلك بئر أم الدرج “الجنانية”، وموقع التقاء أودية مدركة الهدى البياضة الصغو فيدة، والمكان الذي تعسف فيه، والذي أعطى المنطقة اسم عسفان، وكذلك بوابة النصيبا وعين شعثاء بالغولاء.
واسترعى انتباه اعضاء وفد الجمعية وادي الصغو ذو المزارع العثرية القديمة، فبيَّن لهم أنه أطلق عليه مصر الصغير، لخصوبة تربته ووفرة إنتاجه، واندهش الزوار حين شاهدوا قلعة عسفان المبنية منذ العصر العباسي والمرممة في ما تلاها من عصور، آخرها من قبل بلدية عسفان في العهد السعودي الزاهر. بعدها توجَّه الفريق عبر طريق جدة عسفان لمشاهدة المدينة الصناعية الذكية في عسفان، والتي تشرف عليها وتديرها أمانة جدة، والمنطقة الصناعية الرابعة “واحة مدن” في طريق جدة عسفان.
وحول تساؤل أعضاء الوفد عن حدود مسمى عسفان، بُين لهم أنها منطقة مترامية الأطراف، وثلثا مساحتها داخلة في نطاق خدمة أمانة جدة، بينما البقية تخدمها بلدية عسفان، ووقف الجميع على بئر الجنانية، واندهشوا من فن معمارها، وطريقة الحصول على مائها سيرًا على الأقدام دون الحاجة للدلو.
فيما رسم الحربي صورًا تخيلية في أذهان الزوار عن مناخات القوافل واستراحات المسافرين وموقع المزاد، حيث سوق عسفان القديم الذي قام بوظيفة الوسيط التجاري بين سكان المدن والبوادي والهجر، حيث الصناعات القديمة والمنتوجات الحيوانية والزراعية ومواد البناء الطبيعية، وتم التطرق للبوابة والممر الطبيعي “ثنية غزال” التابعة لمركز عسفان، وأهميتها الاستراتيجية القديمة والحديثة.
يذكر أن عددًا من الأنبياء والرسل مروا بعسفان أثناء توجههم الى مكة وعودتهم منها.
وأجاب الحربي على تساؤلات المؤرخين عن فحوى المثل “ما أخس من قديد إلا عسفان” فقال” “لص سرق من قديد فقُبض عليه وعُوقب ثم عفوا عنه. وعاد المحاولة في عسفان فقُبض عليه وعُوقب عقابًا أشد ثم عفوا عنه. وعندما سأله أحد رفاقه اللصوص عن الحال. أخبره قائلًا: ما أخس من قديد إلا عسفان”. وعسفان أكسبتها طبيعتها الجغرافية والجيولوجية التميز بهذه الميزة والانفراد بهذه المكانه، وجعلها تقوم بهذه الوظيفه حتى وقتنا الحاضر.
وثمَّن محافظ الجموم عمران بن حسن الزهراني زيارة أعضاء الجمعية التاريخية السعودية للمحافظة، والمراكز التابعة لها، وبارك خطواتها الجادة الحثيثة لتوثيق وإبراز وتوظيف المعالم الأثرية والمواقع التاريخية بمحافظة الجموم ومراكزها، بغية أن تكون رافدًا ثقافيًا وسياحيًا واقتصاديًا يسهم في تنمية المكان وتطوير الإنسان، والعمل على جمع الحقائق التاريخية المتعلقة بهذه الأماكن وتوثيقها.
وأضاف: “الجميع يعمل من أجل دعم ومساندة الجمعية التاريخية السعودية، وكل الجهات الرسمية التي تعمل في الاتجاه المسهم في تحقيق رؤية المملكة 2030″، وأبدى سعادته بالحاجة الملحة لإيلاء المعالم الأثرية والتاريخية جُل الاهتمام والرعاية من قبل الجهات المعنية، مشيرًا إلى أن هناك العديد من الآثار في بقية المراكز تلزمها زيارات ميدانية.
الدكتور فهد المالكي رئيس فرع الجمعية التاريخية السعودية في منطقة مكة المكرمة أشاد بحسن التنظيم والاستقبال والحفاوة والتكريم، مشيرًا إلى عزم الجمعية إعداد خطط طموحة، من خلالها يتم تكثيف الزيارات الميدانية وحصر المعالم الأثرية والتاريخية ففي المحافظات في منطقة مكة المكرمة عامة، وفي الجموم خاصة وإعداد الدراسات والبحوث التاريخية التي تخدم هذه الجوانب، لافتًا إلى ثراء الجموم وعسفان بالآثار والمناطق التاريخية التي تقتضي مكانتها وأهميتها دراستها بتوسع واستفاضة.
رئيس إدارة الجمعية التاريخية السعودية الدكتور عبدالله الزيدان أكد أن وفدًا من الجمعية التاريخية السعودية قام بزيارة لمكة المكرمة في الفترة بين ٤ إلى ٦/٧/١٤٤٠هـ وقد تشرَّف الوفد بالسلام على صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة ومستشار خادم الحرمين الشريفين، الذي أبدى استعداد إمارة منطقة مكة المكرمة لدعم الجمعية في جهودها لخدمة بلد الله الحرام.
وأشار إلى أن الجمعية التاريخية السعودية هي الجمعية السعودية العلمية الوحيدة في المملكة العربية السعودية التي تعنى بتاريخ المملكة العربية السعودية بكل أحقابه الزمنية منذ ما قبل التاريخ حتى العصر الحاضر، كما تعنى بالتاريخ العربي والإسلامي، وبتاريخ العلاقات بين الجزيرة العربية وبقية حضارات العالم.
وأضاف: “الجمعية تأسست قبل أكثر من نصف قرن، وحصلت على تراخيص العمل في سنة ١٤٠٥ هـ وبدأت فعالياتها عام ١٤٠٨هـ”، موضحًا أن الجمعية لها فعاليات متعددة فهي تعقد المؤتمرات العلمية السنوية في مناطق المملكة الختلفة، بناءً على توجيه كريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وتنشر الوعي التاريخي على أسس منهجية مجودة من خلال أوعيتها العلمية، وعلى رأسها مجلة الجمعية التاريخية السعودية.
وبيَّن أن الجمعية تشارك في إحياء اليوم الوطني بالمحاضرات التى تذكر بجهود الأباء والأجداد في سبيل وجدة هذه البلاد تحت قيادة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-.
وأكد أن الجمعية تعمل على تفعيل المزيد من فروع الجمعية في مناطق المملكة المختلفة، حيث تم افتتاح فرع الجمعية في البلد الحرام برعاية كريمة من مدير جامعة أم القرى معالى الدكتور عبدالله بافيل، وبجهود مشكورة من اللجنة التأسيسية للفرع برئاسة الدكتور فهد بن عتيق المالكي المشرف العام على الفرع.
وشارك في الافتتاح عدد كبير من أعضاء الجمعية على مستوى المملكة، وقد صاحب الافتتاح فعاليات ثقافية وعقد اتفاقيات تعاون مع عدد من الجمعيات التي تعنى بخدمة البلد الحرام مثل مشروع تعظيم البلد الحرام، وجمعية الإدلاء السياحيين في مكة المكرمة.
كما ألقى الدكتور الزيدان محاضرة عن “الجمعية التاريخية السعودية في ثلاثين عامًا”، في منتدى المرحوم الشيخ محمد صالح باشراحيل.
وكان وفد الجمعية موضع احتفاء القائمين على المنتدى، وعلى رأسهم الدكتور عبدالله باشراحيل.
فيما استضافت محافظة الجموم البوابة الشمالية لمكة المكرمة أعضاء الجمعية يوم الأربعاء السادس من رجب ١٤٤٠هـ، وكان في استقبال وفد الجمعية المحافظ عمران بن حسن الزهراني الذي رحَّب بوفد الجمعية الذي زار الآثار التاريخية بالجموم، ثم أكمل زيارته الميدانية في عسفان الغنية بالمعالم الأثرية والتاريخية، كما استقبله رئيس مركز عسفان مشهور المنعمي ووفد بلدية عسفان الذين أسهموا في نجاح الجولة، وتحقيق أهدافها.