يعتبر الإشراف التأملي من الاتجاهات الحديثة المبنية على الكفايات، وقد حظي منذ سبعينيات القرن الماضي باهتمام الباحثين بالسلوك التنظيمي، وقد جاء كتاب دونالدو سكون (Schon 1999)”الممارس المتدبر” The Reflective Practitioner معلمًا بارزًا في هذا المجال، وأكد فيه على مساعدة الممارسين على تطوير قدراتهم على التأمل في أعمالهم من أجل تحسينها.
وبما أن المشرف التربوي يشكل عنصرًا فاعلًا في المنظومة التعليمية الذي يقوم في الأساس على تقويم الأداء وإصدار الأحكام حول أداء المعلمين فلابد أن يكون ممتلكًا لمهارات الإشراف التأملي الذي يعتمد على الموضوعية، ويحرص على تقديم خدمات تعليمية تعلمية متميزة لعناصر العملية التعليمية وإقامة علاقات إنسانية طيبة بين العاملين في الميدان التربوي، وبناء جسور الثقة والمحبة القائمة على الاحترام المتبادل، وكل ذلك يمكن أن يتوفر في أنموذج الإشراف التأملي والذي يعد أسلوبًا يساعد المعلمين على تطوير أعمالهم وتميز أدائهم من خلال التأمل قبل حدوث الفعل وبعده، لينتقل التأمل من دائرة الفكرة إلى دائرة التطبيق والتحسين، وهو منهج للتطوير المهني، وطريقة متكاملة للتفكير والفعل مركزة على التعلم والسلوك.
والمعلم من أكثر العاملين في الميدان احتياجًا إلى التأمل لأن التعليم عمل معقد غير روتيني يتطلب الكثير من الجهد والوقت وقدر من الحكمة والاستبصار مما يجعل مشكلاته تتسم بالغموض، كما تحتاج المنظمات بشكل عام ممارسة التأمل والقيام بمراجعة مستمرة لأعمالهم وممارساتهم وخطط عملها المستقبلية، والمنظمات المتأملة تيسر التعلم والنمو لجميع أفرادها وتصبح بذلك منظمات متعلمة متميزة.
ويمكن النظر إلى الممارسة التأملية في هذا الإطار كبديل لعمليات النمو المهني Professional development التقليدية، حيث تؤدي إلى التغلب على مشكلات الإشراف التقليدي الذي يتسم بالجمود والعشوائية والذي لا يتخطى كونه تنفيذًا للتوجيهات، وتكرارًا للعمل في معظمه، وتزيد ثقة المعلم بنفسه وتبصره بواقعه فتمنحه مزيدًا من الاستقلالية والاعتماد على الذات فلا يكون عبئًا على المشرف التربوي يحاول إيجاد الحلول لمشكلاته، وبذلك يصبح قادرًا على ممارسة التقويم الذاتي بالتفكير في سلوكه ويعدل منه وفقًا لما يحصل عليه من نتائج.
وقد أكدت الدراسات على في نتائجها على فاعلية الإشراف التأملي مثل دراسة (البريك 2012 )، دراسة (الأغبري 2011) ودراسة (الآغا 2010) بما يوفره من بيئة تنظيمية تتيح المشاركة والتعاون، وتشجع الإقدام والتقصي والتفكير الناقد وتتسم بالاحترام المتبادل، والتسامح، والالتزام، والتشارك، وروح الفريق، والنقاش، وبينت بعض الدراسات أثر التأمل في الممارسات على تغيير معتقدات المعلمين ووجد أندرس وريتشاردسون أن تدبر المعلمين بممارساتهم التعليمية يحسن منها ، كما أكد الباحثان أن التأمل والتطوير يسيران معًا.