أخيرا وضعت وزارة الحج والعمرة حدًا للتأويلات والتكهنات، فأعلنت عن السماح بالحج لمن هم داخل المملكة من مواطنين دون استثناء المقيمين، وبعدد 60 ألف وحسب ضوابط مستوجبة مع اتباع الإجراءات الاحترازية الضرورية للمحافظة على سلامة الجميع مثلما كان الشأن في الموسم الماضي.
إنه قرار جريء يحسب لحكومة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان -حفظه الله-، اعتمادًا على رأي العلماء الأجلاء واستئناسًا بنصائح مراكز الإفتاء حول فقه الأوبئة، وهذا القرار يتناغم مع الشريعة الإسلامية والسنة النبوية المطهرة لأن حفظ النفس البشرية مقدم على الحج والعمرة.. وهنا نستذكر قوله صلى الله عليه وسلم "إذا سمعتم الطاعون في أرض فلا تدخلوها"، وهو دليل على أن تفضيل صحة الإنسان مصلحة شرعية لا غبار عليها.
والمملكة العربية السعودية محقة فيما ذهبت إليه لأنها مؤتمنة على صحة ضيوف الرحمن، وقرارها يأتي من منبع شعورها بالمسؤولية في خضم هذه الجائحة المدمرة التي لا تسمح بالتجمعات البشرية، وهو ما تؤكده دراسات اللجان العلمية المجندة لتفادي انتشار فيروس كورونا، مع العلم أن للمملكة خبرات كبيرة في التعامل مع الأوبئة وفي تسيير الحشود الذي تنفرد به عالميًا على مر الزمان، وبهذا القرار تبرهن حكومة خادم الحرمين الشريفين على أنها حريصة على توفير الأمن الصحي العالمي لأن "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" والأكيد أن الجهات المختصة اعتمدت على قوله تعالى " .. ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة إن الله كان بكم رحيما ".
وقد عبرت عدة دول إسلامية عن مساندتها للقرار السعودي العقلاني، الإنساني والجريء، بالإضافة إلى عدة منظمات إسلامية، من ضمنها رابطة العالم الإسلامي.
فالكل يعرف أن " الحج لمن استطاع إليه سبيلا "، ويؤكد العديد من الفقهاء الثقاة أن المتشوقين للحج والمتهيئين له والذين حرمتهم الجائحة، بفضل المولى تعالى وكرمه، سيكتب لهم أجر الحج مادام هناك مانع وعذر شرعي، وهنا يأتي دور العلماء لرفع الحرج عن الناس وإبراز أن الأجر لا ينقص بسبب مثل هذه الجائحة التي نبتهل إلى الله أن يرفعها عن الإنسانية فتعود الحياة إلى ما كانت عليه ويعود المعتمرون والحجاج إلى مهبط الوحي ومنبع الرسالة المحمدية العطرة بتلك الربوع الطيبة.
وعلى وسائل الإعلام المحلية والدولية، العربية منها والإسلامية، التنويه بهذا القرار الشجاع النابع من مبادىء الشريعة الإسلامية السمحة التي تعتمد عليها مصالح الحج والعمرة في اتخاذ قراراتها التي لا ينتقدها إلا الجاحدون الحاقدون الظلاميون ومروجو الفتن والإشاعات الزائفة، وفي الواقع هذا القرار العقلاني يكذب مزاعمهم بأن الحج والعمرة من أهم العائدات المالية للمملكة، وهو ما أظهرت عكسه الأيام لأن السعودية لا تبحث عن موارد مالية من الحج والعمرة فثرواتها الطبيعية التي حباها بها الله وازدهارها الصناعي والسياحي يكفيها وزيادة.
فأملنا من المولى تعالى أن يحفظ بلاد الحرمين الشريفين، أرضًا وقيادةً وشعبًا، والبشرية جمعاء من هذا الوباء وهنيئًا لمن سيكتب له الحج هذا العام.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب تونسي