منح قانون «جاستا» النائب العام ووزير الخارجية الأميركي الحق في وقف الدعوى المدنية المنظورة ضد أي دولة متهمة بدعم الإرهاب؛ إذا كان لها مصالح استراتيجية مع الولايات المتحدة، وهذا التقييد المسيّس يعني أن القانون ليس مطلقاً، وإنما مقيد بمصالح يمكن تعريفها في لغة السياسة الأميركية بأنها حركة ابتزاز رخيصة؛ لقطع الطريق أمام أي تحالفات دولية جديدة، وتحديداً مع دولة عظمى قادمة مثل الصين، أو بمعنى آخر أكثر وضوحاً أميركا تريد أن تُبقي حلفاءها مهددين، متخوفين، خائفين، ولا يستغنون عنها، أو مجرد التفكير في البحث عن بدائل مستقبلاً.
«جاستا» ليس مخيفاً، وإنما مزعج في حق علاقة تاريخية متميزة بين المملكة وأميركا مضى عليها أكثر من ثمانية عقود، وهي علاقة لا تستحق مطلقاً هذا الابتزاز، أو التعامل بطريقة سن قوانين بأثر رجعي لتقويض مقوماتها، وتهديد تعاونها السياسي والأمني والاقتصادي على أكثر من صعيد، بل علاقات أميركا بالعالم، وهو ما عبّر عنه صراحة الرئيس الأميركي، ومسؤولون في الأمن القومي، والاستخبارات، والخارجية، وهي تصريحات إعلامية ضد القانون، وضرره على أميركا لو تمت معاملتها بالمثل، خاصة أن تاريخها العسكري والأمني حافل بالتدخل في عدة دول، بل قتل الأبرياء بأسلحة محرمة دولياً، ومع ذلك لم يبذل أوباما وفريقه الرئاسي أي جهد لوقف القانون، أو على الأقل تأجيله إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل، بل اعتبره تصويتاً ديمقراطياً.
تابعنا ردود فعل عالمية تستنكر وتدين وترفض «جاستا»، ولكن لم نسمع صوتاً إيرانياً معارضاً للقانون.. صحيح أن إيران على القائمة الأميركية في دعم الإرهاب، وهي مدانة قبل ذلك، ولكن هي أكثر المتضررين من «جاستا» تحديداً؛ فلو أصدرت المحكمة حكماً ضد إيران بحسب قانون «جاستا» لا يستطيع الرئيس الأميركي استخدام «الفيتو»، ويعتبر القرار نافذاً في تقديم التعويضات المالية، ومع هذا صمتت إيران؛ لأنها ببساطة تنظر إلى القانون على أنه موجه للمملكة، وضرورة استغلاله والتحريض عليه في حربها المعلنة معها، واستنزاف مقدراتها، وأيضاً -وهذا أمر خطير- قد تجنّد إيران سعوديين للقيام بأعمال إرهابية في أميركا -كما حصل في تفجير الخبر 1996 مثلاً-، واستخدامهم أدوات لإدانة المملكة بحسب «جاستا»، وتشويه الصورة، ودفع المزيد من التعويضات، أو ربما المواجهة من دون قانون!
المملكة في هذا التوقيت أعلنت عن موقفها الرسمي من «جاستا»، وتعمل بصمت في احتواء تفاصيله، ولا تريد أن تستعجل ردة الفعل بعد رفع أول دعوى ضدها من إحدى أسر ضحايا الحادي عشر من سبتمبر، حيث لا تزال الدبلوماسية السعودية متزنة، ثابتة، واعية، رغم أن المملكة تملك حلولاً كثيرة لمواجهة القانون ومشرّعيه، ولكن لا تريد التصعيد، أو تخسر أميركا في هذا التوقيت الحرج في المنطقة، وتفضّل التريّث إلى حين إعلان الرئيس الأميركي الجديد، وبعدها تتكشف تفاصيل أخرى من العلاقة، وتوجهات الإدارة الجديدة من «جاستا» وغيره.
وأمام هذا التروي علينا كمواطنين ومؤسسات ألا نبالغ في «جاستا» إلى درجة التهويل، أو الإحساس بالإدانة، وحتمية التعويض، وانعكاسه على ميزانية الدولة، وهو كلام ليس سابقاً لأوانه، وإنما مرفوض جملة وتفصيلاً، وتخوف غير مبرر، ولا يستحق الضجيج في هذا التوقيت الذي نخوض فيه حرباً في اليمن، ونقف أمام مفترق طرق في سورية، ونراقب بألم وحسرة الوضع في العراق، وقبلها في لبنان، ونتألم من تطورات القتال في ليبيا، ونواجه إرهاباً أعمى مدفوع الثمن، وطائفية تريد أن تتمدد على حساب وحدتنا وصفنا المتماسك، ولكن علينا أن نكون في هذه المرحلة أكثر وعياً، وهذا ما عبّر عنه ولي العهد الأمير محمد بن نايف: «الاستهداف واضح ولا يختلف عليه اثنان، ولا نستطيع أن نقول لهم لا تستهدفونا، لكن المهم أن نحصّن أنفسنا قدر الإمكان».