ذكر فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم، إمام وخطيب المسجد النَبَوِيّ في خطبة الْجُمُعَة اليوم، أن الله لطيف بعباده يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم من مصالحهم ما لا يحتسبون، برٌ رحيم، جوادٌ كريم، أسبغ علينا نعمه الظاهرة والباطنة، قَالَ تعالى: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) ونعمةٌ لا غنى للناس عنها بحال، جعلها الله من دلائل ربوبيته قَالَ تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ) ومن حجج ألوهية الله واستحقاقه للعبادة وحده إنزاله الماء من السماء، قَالَ تعالى: (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ).
وذكر فضيلته أن الماء عظمة ومجد وعز، وعرش الرحمن على ماء قَالَ تعالى: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) وَهُوَ من نعم الله الغزيرة امتن الله به على من قبلنا فمن شكر منهم زاده ومن كفر عذبه قَالَ تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً).
وأَوْضَحَ فضيلته أنه من رحمة الله بعباده أن يدخل الفرح والسرور على نفوسهم بنظرهم إلى مَا يرونه من نعمه المتجددة، والماء جنسه واحد على اختلاف الأزمنة والأمكنة، خلقه الله بلا لون، وأوجده بلا طعم، وأنزله بلا رائحة، لطيف يخالط الجوف، قوي يطغى على الأودية، ويبلغ الجبال، مخلوقٌ عظيم إن نزل عذاباً فلا يكشفه إلا الله، قَالَ تعالى: (قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) منافعه لا تحصى، طهور عذبٌ، ممتع معين، قَالَ تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً) يطهر الأبدان والقلوب، جعله الله مكفراً للذنوب والخطايا في الوضوء، قَالَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (إِذَا تَوَضَّأَ الْعبد المُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيّاً مِنْ الذُّنُوبِ)، نزوله إلى الأرض بقدر، تعد فيه عدد القطرات، قَالَ تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ) والزيادة عن مقداره عذاب.
وكما أن الماء نعمة فهذه النسمات اللطيفة والقطرات الصغيرة التي ينعم بها العباد قد تتحول بأمر الله إلى عذاب، فأغرق الله بهذا الماء أقواماً أعرضوا عن الله وَهُوَ أول عذاب عُذبت به الأمم، وقد جعله الله نصراً للمؤمنين في بدر، قَالَ تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَـزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ)، وَهُوَ النعيم الذي تسر به العين في جنات النعيم، قَالَ تعالى: (فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ)، وأهل النار يستغيثون طلباً له، قَالَ سبحانه: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ).
وأَضَافَ فضيلته أن الماء من آيات الله الموجبة للإيمان، قَالَ سبحانه: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) آية باهرة لا ينازع أحد بأنه من الله، وأن لا موحد له سواه، وَهُوَ منة من الله عظيمة تصاحبنا في كل مكان وزمان، فعلينا شكرها والتفكر فيها وطاعة خالقها، وأن لا نغتر بِفَضْل الله علينا بها، وأن لا نسرف فيها ونتخذها عوناً على عمارة آخرتنا.
وفي الخطبة الثَّانِية، ذكر فضيلته أن الله رازق لعباده برهم وفاجرهم: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) ورزقه سبحانه يُستدر بطاعته والتوبة إليه قَالَ تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، والشكر حافظٌ للنعم مؤذنٌ بزيادتها قَالَ سبحانه: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
واختتم فضيلته الخطبة بالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه أشرف الصلاة وأتم التسليم، ودعا فضيلته بأن يحفظ الله ولاة أمر هذه البلاد، وأن يديم علينا الأمن والإيمان، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً في كل مكان، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما يحب ويرضاه، وأن ينصرهم بنصره، وأن يحفظ بلاد المسلمين، وأن يتقبّل شُهَدَاءهم، ويشفي مرضاهم، ويجبر كسيرهم، ويحفظهم في أهليهم وأموالهم وذرياتهم، وأن يفرج كربهم، ويرفع ضرهم، ويَتَوَلَّى أمرهم، ويعجل فرجهم، ويجمع كلمتهم فهو رب العالمين.