وأضاف : إن الدنيا كالماء الذي علِقَ بإصبع غامِسِها في البحر الزخّار, والآخرةُ هي سائرُ البحر الخِضَمّ الذي طغت أمواجُه , وعلا هياجه , فكيف يفرط في نعيم الآخرة مفرط لأجل دُنيا دنِيّة قد أفِدَ منها الترحُل , وأرف عنها التزيُل ؟! ولم يبقَ منها إلا حماةٌ شرٍّ , وصُبابَة كَدَر , و أهاوِيلُ عِبَر , وعقوبات عُبُر , وإرسال فِتن , وتتابع زعازِع وتفريط خلَف , وقِلّة أعوان في عيش مشّوبٍ بالنّغَص ممزوج بالغصص .

وتابع : إن الدهر ذو عِبر يجري بها قدَر , مُلكّ يُنزع , وعافيةٌ تُرفع , وبلاء يقع وأن كل مخلوق للفناء, و أنه لا يدومُ غيرُ ملكِ الباري سبحانه من ملكٍ قهّار مُنفردٌ بالعزِّ والبقاء , وما سواه فإلى انقضاء .

وقال : ما للعيون ناظرةُ ولا تُبصر , وما للقلوب قاسيةٌ ولا تُفكّر , وما للنفوسٌ ناسية ولا تذكُر ؟! أغراها إنظارها و إهمالها , أم بشرها بالنجاة أعاملها ؟! , أم لم يتحقق عندها من الدنيا زوالها أم شملت الغفلة فاستحكم على القلوب أقفالها ؟!

وتابع : من فسح لنفسه المدة ,ومدّ لها المُهلة ,وأقصِر فالأمر ليس إليك , وعلمُ الموت بين يديك , انسيت أننا بشر يلّقّنا قدر! ونحن في سفر نمضي إلى حُفر , والموت يشملّنا والحشرُ يجمعُنا فحتّام لا ترعوِي وتنتهي , حتام سمعُك لا يعِي لمُذكِّرٍ ,وصميمُ قلبك لا يلينُ لعاذلِ .

وأضاف قائلا : يا من تتقون السموم يا من تفرون من الهجير يا من تجزعون من القيظ وحمارّة الصيف يا من تحترزون من آفات الحر بالقطن والكتان والقمصان وتتحصون من شعاع الشمس بالغيران والأكنان والأشجار والبيوت و الأشخاص المظلة و السفر إلى البلاد الباردة و تصونوا من نار جهنم بترك المعاصي فهي أحرى أن تفروا من لهيبها و جمرها و سمومها تفر من الهجير و تتقيه فهلا من جهنم قد فررتا ؟!