دلة قهوة حضرمية تفوح منها رائحة الزنجبيل أكثر من رائحة البن ، وفي الجوار حلّة سوداء بها عيش ذرة تنبعث منه رائحة السنّوت وبجانبه طاسة صغيرة بها حساء حامض يسمى الرواكة أو الفريقة ، وقربة ماء ، فيما قط رمادي اللون يحوم حول المكان وعيناه لاتكاد تفارق الحلّة.
كل هذا لم يكن سوى مكونات لسفرة إفطار إحدى الأسر في الزمن الماضي مع أنه لا وجود للسفرة هنا ، فالأرض الصلبة كانت هي السفرة .
كان صيام ذلك اليوم ثقيلاً مرهقاً فالشهادة بدخول رمضان لم تأتي إلا في ضحى ذلك اليوم عندما تم سماع صوت البنادق وهي تنطلق من القرى المجاورة والتي كانت تبشر بدخول شهر رمضان المبارك .
وعند سماع صوت البنادق سارع الجميع إلى الإمساك عن الأكل والشرب وحاول البعض منهم أن يُكمل سقي مزارعه قبل أن ترتفع الشمس وتشتد حرارتها .
كان حلول وقت الظهيرة هو الشقاء بعينه فما أن تستوي الشمس في كبد السماء حتى تصبح الأرض قطعة من الجحيم فتختفي العصافير بين أغصان الأشجار ، وتلوذ الحيوانات بجذوع الأشجار، فيما الشمس تطارد الظل من مكان لأخر ، ولم يكن للصائمين من طريقة سوى اللجوء إلى ظلال الأشجار والنخيل للاحتماء من هذا الجحيم ، وكان من يمتلك سدراً كبيراً أو شجرة ضخمة ذات ظل وافر يعتبر من المحظوظين ، بل ويصبح مكانه هذا مزاراً لعدد من الصائمين الباحثين عن الظل ، حيث كانوا يعمدون إلى رشّ الشراشف بالماء ثم الالتحاف بها في استجداء أليم لنسمة هواء باردة تخفف عنهم شيئاً من معاناة الجوع والعطش.
كانت الشمس تسير نحو المغيب ببطء وكأنها مقيدة بسلاسل كما قال أحدهم وهو ينظر إليها وهي تتهادى على قمم الجبال متجهة نحو البحر حسبما قال الأب لأحد أبنائه عندما سأله إلى أين تذهب الشمس عند المغيب ؟ فرد على الفور إنها تذهب إلى البحر .
لم يكن صوت المؤذن مسموعاً بدرجة كافية ، فالمسجد كان في مكان منخفض بحيث أن أغلب الأسر لم تكن تسمع الأذان لذلك كان الاعتماد على الرؤية ومشاهدة الشمس وهي تغيب هي الطريقة المتبعة لمعرفة وقت الإفطار .
غابت الشمس وشرعت الأسرة في تناول الإفطار، ومازال القط الرمادي يموء ويستجدي لقمة عيش وكأنه كان صائماً أيضا..
بقلم : حسن الشمراني

رمضان .. نافذة على الماضي
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.mnbr.news/articles/342606.html
التعليقات 1
1 pings
أبو قلبين
27/03/2023 في 2:49 م[3] رابط التعليق
اشكر الاستاذ حسن ع المقال الرائع والممتع