أمّ المسلمين اليوم السبت لصلاة العيد في المسجد الحرام فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني فتحدث فضيلته في خطبته الأولى عن يوم النحر وعظمته عند الله فقال: في هذه الصبيحة الميمونة نستقبل يومًا أغرَّ من أيام الإسلام ، فهو يوم عظيم وعيد كريم ، حرمه الله سبحانه وتعالى وسماه يوم الحج الأكبر ، يفرح فيه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، أنه يوم أكل وشرب وذكر لله عز وجل ، فحجاج بيت الله تعالى يفرحون بإتمام نسكهم وقضاء تفثهم وبنفحات الله عليهم ، وغير الحجاج يفرحون بما سخر الله لهم من بهيمة الأنعام ، والاقتداء بسيد الأنام صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا قال تعالى ( إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر)
وبهذه المناسبة فإنني أتقدم بالتهنئة إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود نصره الله بحلول عيد الأضحى المبارك سائلا المولى عز وجل أن يلبسه لباس الصحة والعافية وأن يجزيه خيرا عن الإسلام والمسلمين ، ثم أتقدم بالتهنئة إلى مقام صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن سلمان بن عبدالعزيز أعزه الله وأعز به الإسلام والمسلمين سائلا المولى عزوجل له كمال والتوفيق في مساعيه في رفعة البلاد والعباد , ثم أتقدم بالتهنئة للأمة الإسلامية جمعاء بأن يتقبل الله منهم صالح أعمالهم ، وأن يعيد عليهم هذا العيد أعواما عديدة وأزمنة مديدة والأمة كافة ترفل في لباس الصحة والعافية .
ثم تحدث عن أفضل تقرب للعبد فقال: أن أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه في هذا اليوم هو الأضحية وهي إراقة الدماء من بهيمة الأنعام فالذبح لله من أجل العبادات ومن أفضل القربات ، فهي شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا وسنة أبينا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ، وهي فداء الذبيح إسماعيل عليه الصلاة والسلام ، ولولا رحمة الله بهذا الفداء لكانت الأضحية بالأبناء ، فله الحمد وله الشكر وله الثناء الحسن .
وقد أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية ، ومنهم من جعلها واجبة ، والجمهور على أنها سنة مؤكدة لا ينبغي تركها لمن يقدر عليها .
ومِن حِكَمِ مشروعيَّةِ الأضْحِيَّة :شُكْرُ الله تعالى على نِعمةِ الحياةِ وإحياءِ سُنَّةِ إبراهيمَ الخليلِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حين أمَرَه الله عزَّ اسمُه بذَبحِ الفِداءِ عن ولَدِه إسماعيلَ عليه الصَّلاة والسَّلامُ في يومِ النَّحرِ، ويتذكَّرَ المؤمِنُ أنَّ صَبرَ إبراهيمَ وإسماعيلَ عليهما السَّلامُ وإيثارَهما طاعةَ اللهِ ومحَبَّتَه على محبَّةِ النَّفْسِ والولدِ كانا سبَبَ الفِداءِ ورَفْعِ البلاءِ، فإذا تذَكَّرَ المؤمِنُ ذلك اقتدى بهما في الصَّبرِ على طاعةِ الله ، وتقديمِ محبَّتَه عزَّ وجلَّ على هوى النَّفْسِ وشَهْوَتِها .
ومن حكمتها كذلك أنها وسيلةٌ للتَّوسِعةِ على النَّفْسِ وأهلِ البَيتِ ، وإكرامِ الجارِ والضَّيفِ ، والتصَدُّقِ على الفقيرِ ، وهذه كلُّها مظاهِرُ للفَرَحِ والسُّرورِ بما أنعَمَ اللهُ به على الإنسانِ ، وهذا تحدُّثٌ بنعمةِ الله تعالى ، كما قال عزَّ اسمُه : وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ .
ومن حكم الأضحية أيضا أنَّ في الإراقةِ مبالغةً في تصديقِ ما أخبَرَ به اللهُ عزَّ وجلَّ؛ مِن أنَّه خَلَقَ الأنعامَ لنَفْعِ الإنسانِ ، وأَذِنَ في ذَبْحِها ونَحْرِها ؛ لتكونَ طعامًا له .
ويبدأ وقت الذبح من بعد انتهاء صلاة العيد وينتهي في آخر أيام التشريق : قال صلى الله عليه وسلم : إن أول ما نبدأ به يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر ، من فعله فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح قبل ( أي قبل الصلاة ) فإنما لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شي. أخرجه البخاري .
والأضحية نسك وقربة إلى الله ، يتقرب المسلم بسفك دمها فيذكر اسم الله عليها ويكبره ويعظمه ، لا من أجل لحمها ودمها ولكن من أجل الله وتقواه والتوحيد والإخلاص لله ، فسفك دم بهيمة الأنعام في وقت الأضحية قربة إلى الله ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين) فبادروا رحمكم الله إلى إحياء سنن المصطفين الأخيار ، ولا تكونوا ممن بخل وآثر كنْز الدرهم والدينار، على طاعة الملك الغفار .
واختتم فضيلته خطبته الأولى عن تصفية القلوب والتسامح فقال: من الأعمال الجليلة يوم العيد تصفية القلوب بين الإخوة في الله والجيران والأقرباء والأرحام والأصدقاء ، فاهتمام المسلم بإخوانه وفرحه لفرحهم وحزنه لحزنهم وتألمه دليل صدق الأخوة وقوة الإيمان .
ولننظر إلى المهاجرين والأنصار ، فقد ضربوا أمثلة رائعة في الحب والإيثار ، بعد مؤاخاة النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم تسليمًا بينهم .
وإدخال السرور على المسلم ، والترويح عنه وتطمين نفسه ، والربط على القلب والجأش من لوازم الأخوة ، فيسد حاجته ، ويواسيه بما يقدر عليه فمن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ، والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه .
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن خطبة الوداع للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: خطب رسول الله ﷺ في حجة الوداع فقال في خطبته: (أيها الناس اعبدوا ربكم ، وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وأطيعوا ذا أمركم ، تدخلوا جنة ربكم ) رواه أحمد في مسنده ، وقال صلى الله عليه وسلم : لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض .
رواه البخاري ومسلم.
وصية عظيمة جامعة لموجبات دخول الجنة وأسباب الظفر بنعيمها فقد أمرعليه الصلاة والسلام الناسَ جميعًا أنْ يتَّقوا ربَّهم الذي خلقهم ، وأمَّدهم بنعمِهِ ، وأعدَّهم لقبولِ رسالاتِه ، فأمرهم أن يتَّقوا الله .
وبإقامة الصلوات الخَمْس التي فرضها الله عزَّ وجلَّ علي رسوله صلَّي الله عليه وسلم .وبصيام شهر رمضان ، وبأعطاء الزكاة لمستحقيها وعدم البخل بها ، وبالسمع والطاعة لولاة أمور المسلمين في غير معصية الله والنصح لهم ، وعدم الخروج عليهم ، وعدم نزعِ اليد من طاعتهم ، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ، ومن تأكيد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا على هذا الأمر في حجة الوداع ما رواه مسلم في صحيحه عن يحيى بن حصين قال : سمعت جدتي تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع وهو يقول: ( ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا ) فالواجب اتخاذ ذلك ديناً وقربة يُتقرب بها إلى الله عز وجل ، فالذي أمر بطاعة ولاة الأمر هو الذي أمر بالصلاة والصيام والزكاة ، وكلُّ ذلك من موجبات دخول الجنة ونيلِ رضا الله عز وجل .
ولا تقربوا الزنى واللواط ولا تقربوا الخمر والقمار والميسر واحذروا الغيبة والنميمة واستروا على إخوانكم المسلمين الذين ياخذهم الشيطان على غرة فمن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة.
واعلموا أن أولادكم وأزواجكم أمانة عندكم وأنتم مسؤولون عن أماناتكم يوم القيامة فاحسنوا تربيتهم ، وعلموهم قواعد الدين ، تفقدوا أحوالهم وراقبوا سلوكهم وصححوا أخطاءهم ، فان الراعي متى غفل عن رعيته ضلت واكلتها السباع .
واستوصوا بالنساء خيرا وعلموهم أن الحجاب فرض في دين الله ، وأتوهن حقوقهن ، وعاشروهن بالمعروف .
ثم نصح فضيلته المسلمين بأن يتموا فرحهم بمراقبة الله فقال: فاتقوا الله أيها المسلمون واجعلوا فرحكم بالعيد فرحا باتمام عبادة أوجبها الله عليكم ، واجعلوا فرحكم بالعيد فرحا بنيل جوائزكم من ملك الملوك وسيد السادات والرؤساء ، واجعلوا فرحكم مقرونًا بمراقبة الله الذي يراكم وافرحكم بالعيد ، وتزودوا من الأعمال الصالحة فان الأجل قريب والعمر محدود ، فتزودا لدار مقامكم من دار المزيد ، وتذكروا من كان معكم في الأعوام الماضية في مثل هذا اليوم ، كانوا يفرحون بما يفرحون به ، فأين هم الآن ؟ قدموا إلى ما قدموا وصاروا مرتهنين بأعمالهم ، فإما جليس صالح مؤنس أو جليس غليظ موحش ، وإنكم إلى ما صاروا إليه صائرون ، وعلى طريقهم سائرون.
ثم اختتم فضيلته خطبته الثانية بتذكير الناس بحال الحج الماضي ونعمة الحاضر فقال: لا يخفى على من له إلمام بتأريخ الحرمين الشريفين ماكانت عليه الحال قبل هذه البلاد المباركة ، فقد كان الحاج يوصي قبل مغادرته أهله ويودعهم ، لأنه يغلب على ظنه أنه لا يعود لما كانوا يتعرضون له من أذى ومعوقات وربما مفارقة الحياة
فلما أراد الله لبلاد الحرمين وللوافدين إليها من الحجاج والزوار والمعتمرين أمنًا واستقرارًا ورخاء وازدهارًا اختار لها خيارًا من الناس لخدمة دينه ولخدمة بيته الحرام ومسجد رسوله عليه الصلاة والسلام وباقي المشاعر المقدسة يرفعون راية التوحيد ويحكمون بما أنزل الله ، ويصدون الشرور عن البلاد والعباد ، ومن أولئك الأخيار الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل رحمه الله وابناؤه البررة من بعده ، نسأل الله الرحمة والغفران لماضيهم ، والتوفيق والإعانة والسداد لباقيهم ، فقد أولوا الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة كل الرعاية والاهتمام وتوفير جميع القدرات البدنية والنفسية والمالية فجميع ما يحتاجه الحاج من مرافق عامة وطرقات وصحة وتنظيم المشاعر وإدارات مختصة لخدمة ضيوف الرحمن وبحمدالله متوفر بلا عناء ولا مشقة ، ولا زالت جهود حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين مستمرة لتيسير أمور الحجاج فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرالجزاء ، ولما رأى المغرضون والحاسدون والحاقدون على هذه البلاد هذه الجهود العظيمة ، وتلكم النعم المتوافرة بحمدالله ، ومناسك الحج ميسرة ، أبت نفوسهم إلا أن تضيق ذرعًا بما يشاهدون وبما يسمعون وفقدوا شعورهم ، فصاروا يهرطقون ويهرفون بما لا يعرفون ، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوا.