يختلف مصطلح النظرية في العلوم التربوية عما هو متعارف عليه في العلوم الطبيعية، فبينما تسعى النظرية العلمية إلى تنظيم المعارف الموجودة، والربط بين المفاهيم المختلفة، وتهدف بذلك إلى التعميم، فإن النظرية التربوية تهدف إلى توجيه العمل والممارسة الفعلية، وتقدم إطارًا لمفهوم موحد لتوجيه الممارسات التربوية.
وعلى هذا الأساس، تأتي نظرية المنهج كنظرية فرعية في التربية، تستمد توجهاتها العامة من النظريات التربوية، وتهدف إلى تقديم الخطوات والأساليب والإجراءات والأنشطة المنهجية ومحتوياتها، وتبرز أهميتها عند تخطيط وتنفيذ وتقويم المناهج الدراسية.
وفي الواقع توجد عدة نظريات لتنظيم المناهج، ويستند كل منها إلى فلسفة معينة. ومن نظريات المناهج النظرية، النظرية البوليتكنيكية Polytechnic Theory والتي تٌعرف أيضًا بالنظرية التطبيقية، أو نظرية الفنون المتعددة.
وتهدف هذه النظرية إلى تحويل الجانب المعرفي إلى جانب تطبيقي، وترفض الانقسام السائد بين المعرفة البحتة والمعرفة التطبيقية، وظهرت هذه الفكرة من خلال ربط التعليم بالعمل الانتاجي؛ وذلك بسبب التغيرات الأساسية في وسائل الإنتاج وتطور العمل. وتقدم النظرية البوليتكنيكية رؤية شاملة للربط بين جوانب العملية التعليمية في ضوء العلاقة بالحياة الانتاجية.
وتؤكد من خلال تلك الرؤية وجوب تزويد الطلبة بالمبادئ العامة للإنتاج الاجتماعي، وبالمهارات المهنية والتقنية، وتُشرك الطالب بالعمل المنتج خارج المدرسة وداخلها ويتوزع المنهج حسب تلك النظرية على جانبين، يتأسس الأول على تطبيق العلم وتوظيف المعرفة للإنتاج، والثاني منهج علمي يجمع بين المعرفة وتطبيقها لخدمة الإنتاج والتنمية، ويركز المنهج بشكل خاص على الرياضيات والعلوم الطبيعية.
وتستند النظرية البوليتكنيكية إلى الفلسفة الشيوعية، فقد وُضعت المبادئ الأساسية لهذه النظرية على يد كل كارل ماركس Karl Marx وفرديريك إنجلز Friedrich Engels، ويرجع هذا الاهتمام الكبير بالربط بين الجانبين المعرفي والتطبيقي إلى الرؤية الماركسية التي تعتبر أن العمل هو العنصر الجوهري لحياة أي مجتمع؛ حيث يزود العمل المجتمع بالوسائل المادية للسيطرة على البيئة ولصنع أدوات ووسائل الإنتاج، فالإنتاج عمل اجتماعي يأتي نتيجة للنشاط التعاوني للإنسان.
كما تعتبر أن العمل المنتج مصدرًا أساسيًا للمعرفة، وتؤكد أن ممارسة العمل والإنتاج يجب ألا يكون فقط بهدف الكسب المادي، بل ترى أن العمل وسيلة للإشباع الروحي والعضلي، وفي نفس الوقت فإن الإنسان ككائن اجتماعي يحقق نفسه بطريقة أكمل فيما يعمله بصحبة الآخرين، ولذلك يجب أن ينجز العمل على جميع المستويات كشيء عادي لجميع الناس وأن تكون غايته رفاهية المجتمع التي تتضمن رفاهية كل فرد في المجتمع.
وشهد واقع هذه النظرية تطورًا كبيرًا في التطبيق، بدءًا من تبنيها في النظام التعليمي السوفيتي أو بعض الدول الشيوعية كالصين، فعلى سبيل المثال اعتمد التعليم في الصين على الإنتاج وربط النظرية بالتطبيق، ولم يقتصر التعليم على المدرسة فقط بل تعداه إلى المصانع والمزارع ووحدات الجيش في المناطق المجاورة، كما جرى تأسيس مصانع ومزارع صغيرة في المدارس الأساسية والثانوية، حيث يٌدعى الفلاحون والعمال والجنود للتدريس فيها بشكل مؤقت، وذلك لأن من أبرز أهداف التعليم الاساسي في الصين الربط بين الصف الدراسي وموقع العمل والإنتاج؛ باعتباره صورة تطبيقية من مبادئ النظرية التطبيقية في المنهج.
وفيما بعد تصاعد الاهتمام بأفكار النظرية البوليتكنيكية خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين، مع ظهور ما عُرف بمجتمع ما بعد الصناعة أو المجتمع القائم على المعرفة، خصوصًا في ظل التطور الحاصل آنذاك مع انتشار النظم المحوسبة، والحاجة إلى خريجين مزويدين بالمهارات التقنية.
وأثرت تلك النظرية في النظم التعليمية بشكل كبير، وارتبطت بظهور فكرة المدرسة المنتجة Productive School وأهتمت العديد من الدول الأوروبية بتلك الفكرة ومنها ألمانيا، ويساهم نظام التعليم المهني الألماني بشكل كبير في القوة الاقتصادية لألمانيا. ويعتمد هذا النظام على التعاون والارتباط الوثيق بين الشركات والمؤسسات التعليمية، حيث يتعلم الطلبة المعرفة المتخصصة والتطبيق العملي لهذه المعرفة داخل الشركات.
وفي ضوء ما يشهده العالم من ثورة رقمية ثانية أو ما يُعرف بالثورة الصناعية الرابعة، والتدفق الغير مسبوق للمعلومات عبر شبكة الانترنت، فقد ازدادت الفجوة بين الجوانب المعرفية والجوانب العملية والتطبيقية للثورة الرقمية، وأصبحت هناك حاجة ماسة للربط وسد الفجوة بين هذه الجوانب، وتقديم مناهج دراسية متطورة تربط بين المعارف النظرية والمهارات التقنية لعالم اليوم بل لعالم الغد الذي سيشهد المزيد والمزيد من التقنيات والتطبيقات الرقمية، في ضوء ما نشاهده من تقدم غير مسبوق في عالمنا المعاصر.
_______________
*باحثة الدكتورة - جامعة أم القرى
التعليقات 1
1 pings
علي جدعان الرزقي
04/04/2022 في 2:31 ص[3] رابط التعليق
نفخر كثيرآ بالاستاذه فاطمه وأمثالها من المفكرين والادباء وذوالقيمه والكفاءه العاليه ودورهم بالمجتمع والوطن أجمع
وأشكر صحيفة منبر والقائمين عليها والعاملين وأخص بالذكر
أستاذي وأخويه محمدأحمدالقرني أبا أنس
وفق الله الجميع