يُعرِّف عمر رضا كحالة قنونى في كتابه (جغرافية شبه جزيرة العرب. طبعة ١٣٨٤هـ والناشر مكتبة النهضة. راجعه أحمد علي. ص 28) قائلًا: قنونى: هي بلدة القنفدة.
ويأتي مَنْ بعده فيأخذ عنه ذلك على أنه حقيقة، ويعتمده في أبحاثه وكتبه ومقالاته!
وكحالة لم يقف على قنونى الوادي والقنفدة البلدة في مكانيهما بنفسه، ولعله لم يتثبت ممن نَقَل عنه!
وكحالة ومن جاء بعده محققًا لكتب تراثية كتبها أصحابها قبل ظهور القنفدة على صفحات المصادر مطلع القرن العاشر الهجري فعلوا كما فعل كحالة!
ومن أولئك:
محقق كتاب شفاء “الغرام بأخبار البلد الحرام” الدكتور علي عمر. والكتاب من تأليف محمد أحمد علي تقي الدين الفاسي (ت :٨٣٢هـ) الطبعة الأولى ١٤٢١هـ ص ٤٧٢و٤٧٩.
الذي عرف المحقق قنونى فقال: وهي القنفدة الميناء الحجازي المشهور الواقع جنوب مكة المكرمة.
ووقع في الخطأ نفسه محقق كتاب “الروض الأنف” لمؤلفه عبدالرحمن عبدالله السهيلي (ت: ٥٨١ هج). مجلدان. طبعة ١٤٢٨هـ ٢٠٠٨م. وعرّف المحقق قنونى في هامش من الهوامش بالقنفدة!
ووقع في الخطأ ذاته محقق كتاب “صفة جزيرة العرب” للحسن الهمداني. محمد الأكوع، فعرف قنونى في الهامش ٤ من ص ٢٩٧ بأنها القنفدة!
وجميع هؤلاء وغيرهم استنسخوا الخطأ نفسه ممن اجتهد باعتقاده، في ما كتبه عن تاريخ القنفدة من أن نشأة القنفدة قامت بديلة لقرية صغيرة كانت تدعى قنونى فغير اسمها للقنفدة.. وهذا اجتهاد لم يوفق فيه صاحبه.
ومعلوم أن قنونى وادٍ شهير من أودية تهامة عرف قبل الإسلام، وليس قرية كما توهم ياقوت الحموي في معجمه، عندما اعتبر قنونى ويبة قريتان، فقال: “قنونى من جهة مكة قرب حلي وبالقرب منها قرية يقال لها يبت” واستشهد بقول كثير عزة في رثائه لصديقه خندق الأسدي:
بوجه أخي بني أسد قنونى.. إلى يبت إلى برك الغماد.
(انظر معجم البلدان ج٤ ص٤٠٩) والوادي معروف قبل ايام قبيلة جرهم وبعدذلك.
فقد ذكر السهيلي في كتابه الروض الأنف ج١ ص ٤٧٩
ما نصه: “وكان مضاض بن عمرو بن الحارث اعتزل جرهما.. ولم يعنهم.. ثم رحل هو وأهل بيته حتى نزل “قنونى” وحلي وما حول ذلك”.
والوادي لا زال أحد المعالم الجغرافية اليوم في محافظتي العرضيات شرقًا، وبها مركز يحمل اسم قنونى ببلدة الفائجة تأسس في عام ١٤٤١هـ، وبقية الوادي في محافظة القنفدة غربًا، والمحافظتان تتبعان منطقة مكة المكرمة.
وفي وثيقة مبايعة شيخ قبائل بني زيد عوض بن خضر المعيدي لجلالة الملك عبدالعزيز على عهد أمير القنفدة مسعود المبروك، عُرِّف بالشيخ بأنه في مركز قنونى، ويقصد بذلك وادي قنونى الذي تسكن قبائل بني زيد في دلتا الوادي.
لذلك أوصي كل قارئ ومؤلف ومهتم التثبت من صحة ما ينقله عمَّن سبقه فالكثير من المصنفات التاريخية والجغرافية عن جزيرة العرب لم تسلم من الأخطاء، إما نقلًا دون تثبت، وإما جهلًا وإما تصحيفًا أو ادعاءً.
والحقيقة الثابتة أن قنونى وادٍ منذ أقدم العصور، كما أسلفنا وموجود قبل أن تنشأ بلدة اسمها القنفدة جنوب مكة المكرمة في نهاية مصب الوادي نفسه على شاطيء البحر الأحمر الشرقي، كميناء حجازي يتبع مكة المكرمة قبل ومنذ تاريخ ميلاد ظهوره في المصادر التراثية عام 907 هـ وحتى اليوم، واستمر مسمى قنونى واسم القنفدة جنبًا إلى جنب إلى يوم الناس هذا.